في الوقت الذي يسعى فيه العالم للبحث عن بديل للوقود الأحفوري بالتحول إلى الطاقة المتجددة، تزداد أهمية الحاجة إلى طرق جديدة لالتقاط وتخزين الطاقة. ومؤخرا، أعلن باحثون عن اكتشاف خصائص لدى إحدى المواد البلورية، تسمح لها بالتقاط الطاقة الشمسية، وتخزينها لعدة أشهر في درجة حرارة الغرفة، ثم إطلاقها عند الحاجة إليها في شكل حرارة.
ويمكن لهذه المادة، بحسب باحثين من “جامعة لانكستر” (Lancaster University) في المملكة المتحدة، أن توفر في المستقبل طيفا واسعا من التطبيقات كالتقاط الطاقة الشمسية خلال أشهر الصيف، وتخزينها لاستخدامها في الشتاء. ونشر الباحثون نتائج بحثهم حول هذه المادة في دورية “كيمستري أوف ماتيريالز” (Chemistry of Materials).
ما هي هذه المادة؟
وبحسب البيان الصادر عن الجامعة والمنشور على موقعها في 3 ديسمبر/كانون الأول الجاري تتركب هذه المادة من أحد “الهياكل الفلزية العضوية” (MOF) التي تتكون من شبكة من أيونات المعادن مرتبطة بجزيئات كربونية لتشكيل هياكل ثلاثية الأبعاد. وقد قام بتطويرها في وقت سابق باحثون من “جامعة كيوتو” (Kyoto University) في اليابان، وأطلقوا عليها اسم “دي إم أو إف 1” (DMOF1).
من الخصائص الرئيسة لهذه المادة أنها مسامية؛ مما يعني أنها يمكن أن تشكل مواد مركبة عن طريق استضافة جزيئات صغيرة أخرى داخل هياكلها. لذلك دار البحث عما إذا كان يمكن استخدام هذا المركب لتخزين الطاقة، وهو شيء لم يبحث سابقا. فقاموا بملء مسام الهيكل الفلزي العضوي بجزيئات من “الآزوبنزين” (azobenzene)، وهو مركب يمتص الضوء بقوة، ويعمل مثل “الآلة الجزيئية”، التي يمكن أن تغير شكلها عند تطبيق محفز خارجي، مثل الضوء أو الحرارة.
كيف تخزن الطاقة؟
وخلال التجارب التي أجروها، عرّض الباحثون المادة لضوء الأشعة فوق البنفسجية؛ مما تسبب في تغيير شكل جزيئات الآزوبنزين الثابت إلى شكل متوتر داخل مسام “الهيكل الفلزي العضوي”. وتسمح هذه العملية بتخزين الطاقة بطريقة مماثلة للطاقة الكامنة لنابض مضغوط، لفترات طويلة من الوقت وفي درجة حرارة الغرفة. وتطلق المادة الطاقة مرة أخرى عندما يتم تسخينها بمصدر خارجي يعمل كمحفز “لتبديل” حالتها، ويمكن أن يكون هذا الإطلاق سريعا جدا، يشبه إلى حد ما عودة النابض لحالته بعد إزالة الضغط عنه، ويمكن استخدام الحرارة المنتجة لتدفئة مواد أخرى أو إمداد الأجهزة بالطاقة.
وأظهرت الاختبارات أن المادة كانت قادرة على تخزين الطاقة لمدة 4 أشهر على الأقل، وهي مدة طويلة جدا بالمقارنة مع تلك التي تستغرقها المواد التي تمت تجربتها في السابق، ولا تتجاوز مدة تخزينها للطاقة بضعة أيام. وتفتح المدة الطويلة للطاقة المخزنة إمكانيات التخزين الموسمي.
تطبيقات واعدة
يمكن، وفقا لمؤلفي الدراسة، استخدام هذه المادة في تطبيقات واسعة مثل أنظمة التدفئة خارج الشبكة الكهربائية أو في المواقع البعيدة، أو كمكمل صديق للبيئة للتدفئة التقليدية في المنازل والمكاتب. كما يمكن أيضا إنتاجها كطلاء رقيق لأسطح المباني، أو استخدامها على الزجاج الأمامي للسيارات حيث يمكن استخدام الحرارة المخزنة لإزالة الجليد عن الزجاج في صباح الشتاء المتجمد.
وتتضمن التطبيقات المحتملة الأخرى للمواد البلورية، التي تحتوي على جزيئات التبديل الضوئي، تخزين البيانات من خلال الترتيب المحدد جيدا للمفاتيح الضوئية في البنية البلورية، التي يمكن تبديلها واحدة تلو الأخرى باستخدام مصدر ضوء دقيق، وبالتالي تخزين البيانات كما تخزن على قرص مضغوط “دي في دي” (DVD)، على المستوى الجزيئي. كما يمكن أيضا استخدامها لتوصيل الأدوية بحبس الأدوية داخل المادة بواسطة مفاتيح ضوئية، ثم إطلاقها عند الطلب داخل الجسم باستخدام محفز ضوئي أو حراري.
ورغم أن النتائج كانت واعدة حول قدرة هذه المادة على تخزين الطاقة لفترات طويلة من الزمن؛ إلا أن كثافة الطاقة المخزنة كانت متواضعة. لذلك تتمثل الخطوات التالية، التي سيقوم بها الباحثون، في البحث عن هياكل فلزية عضوية أخرى ذات إمكانيات تخزينية أكبر للطاقة.
الجزيرة