تفيد دراسة حديثة، أن العيش في بيئة نظيفة وخالية من الجراثيم، له علاقة بزيادة خطورة الإصابة بمرض الزهايمر أو الخرف. ومما يثير الغرابة بل السخرية أيضا، أن العيش في دولة متطورة وغنية- أي من دول العالم الأول- والتعرض لقدر أقل من البكتيريا والفيروسات قد يرفع احتمالية الإصابة بالزهايمر، حسب زعم الدراسة.
ووجدت الدراسة المنشورة في مجلة (التطور والطب والصحة العامة- Evolution, Medicine and Public Health) أن نسب المصابين بمرض الزهايمر، كانت أعلى بكثير في الدول الصناعية والمتقدمة التي توفر بيئة أنظف ومياه أكثر تعقيما، بالمقارنة مع الدول الفقيرة، حيث تكثر الجراثيم في كل مكان.
وقد حللت الدراسة بيانات مرتبة وفقا لأعمار المشاركين، زودتها بها منظمة الصحة العالمية، لتجد أن بعض أكثر بلدان العالم ثراء ونظافة مثل: فرنسا والمملكة المتحدة وسويسرا وأيسلنده، فيها معدلات أعلى بكثير من الزهايمر وأمراض الخرف الأخرى. وهنا تساءل الباحثون عما إذا كانت نسبة التعرض للجراثيم، يمكن أن تؤثر على أمراض الشيخوخة مثل: الزهايمر، وكانت الإجابة أن هناك علاقة بينهما فعلا.
نظرية مثيرة للجدل وذات تاريخ حافل:
إن هذه الفكرة ليست جديدة، فهي تعرف في عالم الطب بـ(نظرية النظافة-hygiene hypothesis)، وتفيد بأن ثمة علاقة مباشرة بين المجتمعات ذات مستويات النظافة العالية، والخالية من الأمراض السارية والمعدية، وبين احتمالية الإصابة بأمراض معينة. وتقترح هذه النظرية أن التعرض لجراثيم أقل، يحرم جهاز المناعة من فرصة تطوير استجابات دفاعية قوية.
في الماضي، كانت الدراسات التي تتناول نظرية النظافة، تركز على علاقتها بالحساسية والربو وبعض الأمراض الذاتية لا المكتسبة. لكن تقول مولي فوكس- المشرفة على الدراسة والباحثة في جامعة كامبريدج: “نعتقد أن بوسعنا الآن إضافة الزهايمر إلى قائمة الأمراض التي تزداد نسبة الإصابة بها عند عدم التعرض للجراثيم”. ويعرف العلماء منذ وقت طويل أن معدلات الإصابة بالزهايمر وأمراض الخرف، مرتفعة أكثر بكثير في الدول الصناعية المتقدمة، وكانوا يبحثون عن تفسير لهذه الظاهرة. ثم جاءت هذه النظرية كاحتمال قوي لتأكيد ذلك، إلا أنها ما زالت نظرية غير مؤكدة، والكثير من الباحثين والعلماء يعارضونها. كما أن هناك نظريات أخرى تفيد بأن التلوث والحساسية تجاه القمح ومخلفات التوسع الحضري الأخرى، قد تكون سببا في ارتفاع معدلات الحساسية والربو وأمراض أخرى في الدول المتقدمة.
هذه الدراسة، شأنها شأن غيرها، تثبت وجود صلة فقط، لكنها لا تؤكد وجود علاقة سببية واضحة، وبهذا فهي تترك المجال للكثير من التأويلات البديلة. ولدى التفكير مليا في الأمر نجد أن الكثير جدا من العوامل الأخرى في الدول الصناعية المتقدمة والبيئات الحضرية، قد تفسر ارتفاع نسب الإصابة بالأمراض المرتبطة بالمناعة، في حال افترضنا جدلا أن الزهايمر من الأمراض المناعية، فهذه نظرية غير مثبتة.
ومع ذلك، تشير الإحصائيات إلى أن الدول المتقدمة تعاني بالفعل من نسب أكبر من الإصابة بأمراض عديدة، واستعان العلماء بدراسات طويلة الأمد لأجيال عدة، تثبت أن نسبة الإصابة بالعديد من الأمراض المناعية، كالأمراض الرئوية، تزداد مع ازدياد تقدم الدولة.
وفي دراسة مثيرة جدا للاهتمام، أجرى عالمان أحدهما من جامعة (يال- Yale) والآخر من (جامعة شيكاغو- University of Chicago) تجربة على فئران ربيت في بيئة خالية من الجراثيم، ووجدا أن هذه الفئران أصيبت بدرجة متقدمة من مرض السكري.
أي العوامل تحديدا ربطت باحتمال الإصابة بالزهايمر؟
عند النظر إلى تفاصيل البيانات، وجدت فوكس وفريقها أن نسبة الإصابة بالزهايمر تزداد بواقع 12% في الدول التي تقل فيها الأمراض السارية والمعدية، مثل: أيسلندة وسويسرا. وذلك مقارنة بدول تكثر فيها الأمراض المعدية، مثل: الصين وغانا.
إذا، فما معنى كل ذلك لنا؟ تجنب أي رد فعل مبالغ فيه كأن تعرض طفلك للجراثيم، فنشرها حوله عن قصد ليس هو الأسلوب الصحيح لتجنيبه الأمراض المناعية في المستقبل. ولكن إذا كنت واحدا من أولئك المهووسين بالنظافة، والتي تحفل مطابخهم وحماماتهم بأنواع المنظفات المضادة للجراثيم، فقد يكون من الأفضل أن تخفف من هذه العادات، وأن تتجنب الاستخدام الزائد للمعقمات، فقد أظهرت الدراسات أن الناس الذين لا يستخدمون هذه المنتجات بكثرة، يتمتعون بمناعة أقوى وأقل تعرضا للإصابة بالحساسية.
فوربس – الشرق الأوسط