يحتاج مرضى داء السكري إلى المتابعة المستمرة لمستويات الغلوكوز في الدم. وبينما توجد أجهزة قياس حالية تقوم بهذه المهمة، إلا أنها تعتمد على الوخز بالإبر، وهو ما قد يكون مؤلماً بالنسبة للبعض. وهناك أيضاً أجهزة لاستشعار الغلوكوز القابلة للزرع التي جرى تطويرها أخيراً، إلا أنها تواجه مشكلة في بطارياتها التي تُعقِّد عملية زرعها داخل الجسم، ويتحتم في النهاية إعادة شحنها أو استبدالها.
استشعار حيوي
وقد تتمثل التقنية المثالية البديلة في شكل أجهزة استشعار حيوية بوليمرية قابلة للزرع، وقادرة على التشغيل الذاتي باستخدام جزيئات موجودة حولها، وهو ما نجح فيه باحثون في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)؛ إذ طوروا جهازاً إلكترونيّاً للاستشعار الحيوي، يعمل باستخدام الغلوكوز الموجود في سوائل الجسم. ويقوم الجهاز بإقران بوليمر ناقل للإلكترونات مع إنزيم يستخلص الإلكترونات من تفاعله مع الغلوكوز؛ لتشغيل دائرة الاستشعار الخاص به. يمكن لجهاز الاستشعار الحيوي البلاستيكي أن يعمل باعتباره راصداً متواصلاً للمؤشرات الصحية الرئيسية، مثل مستويات السكر في الدم لدى مرضى السكريّ.
وجدير بالذكر، أن كل مريض يعاني من مرض السكري يدرك تماماً أهمية قياس مستوى الغلوكوز في الدم لقياس كمية السكر من أجل تحسين إدارة داء السكري. فإذا كنت مصاباً بهذا المرض، فهذا يعني أن جسمك لا يصنع كمية كافية من الأنسولين، كما هو الحال في مرض السكري من النوع الأول، أو لا يمكنه استخدام الأنسولين الذي يصنعه، بالإضافة إلى أنه يجب عليه الحفاظ على صحة عملية التمثيل الغذائي لسكر الدم، وهو ما يسمى مرض السكري من النوع الثاني.
يقول ديفيد أوهايون، طالب الدكتوراه في مختبر الدكتورة شاهيكا إينال، الأستاذ المساعد في الهندسة الحيوية بـ«كاوست»، الذي قاد البحث مع زميله الباحث الدكتور جورجيوس نيكيفوريديس «إن الاكتشاف السريع والدقيق والمبكر لأي خلل في عملية التمثيل الغذائي له أهمية بالغة في رصد الكثير من الأمراض والسيطرة عليها والوقاية منها، ومن ضمنها مرض السكريّ. وفي الوقت الحالي، تقتصر أجهزة مراقبة مستوى الغلوكوز بشكل أساسي على أجهزة وخز الأصابع، والتي غالباً ما تكون مؤلمة».
البوليمر والغلوكوز
وكانت إينال وفريقها قد اكتشفوا بالصدفة بوليمرا يبدو مناسباً تماماً لهذه المهمة، الذي قام بتطويره فريق البروفسور إيان ماكولوك، أستاذ الكيمياء في «كاوست». وفي هذا الصدد يقول أوهايون «البوليمر المستخدم هو من أشباه الموصلات من النوع (n)؛ مما يعني أنه يمكنه قبول الإلكترونات ونقلها على طول هيكله الأساسي». ويقترن البوليمر بإنزيم أوكسيد الغلوكوز، الذي يستخلص الإلكترونات بالأكسدة من تفاعله مع الغلوكوز. عادة ما تكون هناك ضرورة لوجود مُكَوِن ثالث لنقل الإلكترونات من الإنزيم إلى البوليمر. ويوضح أوهايون «غالباً ما تكون هذه المواد الوسيطة سامة وتحتاج إلى تثبيتها على سطح القطب، مما يُعقّد من عملية تصغير الجهاز، ويقلّل من عمره الافتراضي، لكن يبدو أن البوليمر الذي توصلنا إليه قادر على استضافة الإنزيم على مقربة تُتيح الاتصال الكهربائي الفعال بين المركز النشط والهيكل الأساسي للبوليمر». وربما تكون السلاسل الجانبية للبوليمر المكونة من الإيثيلين غلايكول هي مفتاح التفاعل، وهذه فرضية تخضع للدراسة في الوقت الحالي بالتعاون مع مجموعة البروفسور إنزو دي فابريزيو في «كاوست».
استخدم الفريق هذا البوليمر من النوع «n» في ترانزستور لاستشعار مستويات الغلوكوز في اللعاب، وأيضاً في صورة نصف خلية وقود بوليمرية كاملة تستخدم الغلوكوز مصدراً للطاقة من أجل تشغيل الجهاز. تقول إينال «تُعدّ خلية الوقود هذه أول برهان على جهاز بلاستيكي بالكامل قائم على الإنزيمات لتوليد الطاقة بالتحفيز الكهربائي، ويعمل في وسط مناسب فسيولوجيّاً».
وتضيف إينال، أن «استشعار الغلوكوز وتوليد الطاقة هما مثالان فقط على التطبيقات الممكنة حين يتواصل بوليمر صناعي بفاعلية مع إنزيم محفّز، مثل إنزيم أكسيد الغلوكوز. لقد كان هدفنا الرئيسي هو إظهار الخواص الكيميائية المتعددة والاستخدامات المبتكرة لهذه الفئة المميزة من البوليمرات المستقرة في الماء، والتي تتميز بالقدرة على التوصيل المختلط (الأيوني والإلكتروني)».
الشرق الأوسط