قد لا تتضح للوهلة الأولى العلاقة بين شركات التكنولوجيا والإنترنت الأميركية في وادي السيليكون من جانب، واستهلاك المياه من جانبٍ آخر، لكن الواقع أن أجهزة الكمبيوتر الضخمة ومراكز البيانات التي تعتمد عليها مُختلف مواقع الإنترنت مثل «إنستغرام» و«تويتر» تتطلب كميات ضخمة من المياه اللازمة لعمل أنظمة تكييف الهواء التي تُحافظ على برودة أجهزة الخوادم.
ولاية كاليفورنيا
وفي وقت تشهد فيه ولاية كاليفورنيا وأجزاء أخرى من الغرب الأميركي معدلاً قياسياً من الجفاف، فإن الولاية تضم أكثر من 800 مركز بيانات، وهو عدد يفوق نظيرتها في الولايات الأميركية الأخرى، بحسب تقدير شركة «451 ريسيرش» للاستشارات، واستثنى هذا التقدير الحجرات الأصغر حجماً المُخصصة لأجهزة الكمبيوتر في الشركات.
واستناداً إلى هذه الأرقام وتقديرات استخدام المياه، فإن مراكز البيانات في كاليفورنيا تستهلك في كل عام مقداراً يكفي لملء 158 ألف حمام سباحة أوليمبي. وفي حين تحث سلطات كاليفورنيا العاملين في المطاعم على عدم تقديم المياه دون طلب الزبائن، فإن مراكز البيانات أفلتت إلى حد كبير من التدقيق في مُعدلات استهلاك المياه!
وعلى الرغم من أن احتياجات مراكز البيانات من المياه تُعد قليلة نسبياً عند مُقارنتها مع أنشطة أخرى مثل الزراعة وإنتاج الطاقة الكهربائية، فإن تنامي عددها وحجمها يُمثل مُعضلة، إذ يضع مجال العمل الأكثر ازدهاراً في الولاية، أي التكنولوجيا، في صدام مع مُشكلة بيئية مُلحة.
وحتى الآن، انصب أكثر تركيز الشركات المالكة لمراكز البيانات على الحد من استهلاك الطاقة الكهربائية، فيما يبحث بعضها عن سُبل لخفض احتياجاتها من المياه التي تُوفرها السلطات المحلية مثل إعادة استخدام مياه الصرف، أو جمع مياه الأمطار، ويُشيد البعض خزانات عملاقة أو يحفر آباراً خاصة.
نمو واستهلاك
وقال رئيس الاستدامة في شركة «آي أو داتا سنترز»، التي تُدير مُجمعين لمراكز البيانات في ولاية أريزونا: «لا يعني الأمر تجاهلنا للمياه، لكن تبين أن الجانب الذي يسهل إنجازه هو الاستثمار في استهلاك الطاقة بكفاءة».
وتعتمد مراكز البيانات بشكلٍ كبير على نُظم تكييف الهواء، بهدف تبريد آلاف أجهزة الكمبيوتر وأجهزة التخزين، الأمر الذي يتطلب الكثير من الطاقة الكهربائية والمياه.
وتفيد شركة «451 ريسيرش» بأن أكبر مراكز البيانات تنمو بنسبة 4% سنوياً، في وقت تتوقع فيه شركة «إيمرسون إلكتريك»، التي تمد مراكز البيانات بمُعدات التبريد، إضافة ما يُعادل ثلاثة مراكز بيانات متوسطة الحجم في كاليفورنيا سنوياً.
ويستهلك كل مركز بيانات متوسط الحجم بطاقة 15 ميغاوات بين 80 و130 مليون غالون من المياه سنوياً بغرض التبريد، وهو ما يُعادل زراعة 100 فدان من أشجار اللوز، أو عمل ثلاثة مستشفيات، أو ما يكفي لزراعة ملعبين للغولف يضم كلٌ منهما 18 حفرة.
مياه معالجة
ويحث حاكم كاليفورنيا جيري براون، مدن الولاية على خفض استهلاكها السنوي من المياه بنسبة 25%، إلا أن الشركات نجت إلى حدٍ كبير من مساعي التوفير. ولفت مسؤولو الولاية إلى أن الغاية من القيود على استهلاك المياه تكمن في الحفاظ على مصادرها دون الإضرار بالاقتصاد.
ولا تُعد مراكز البيانات أكبر الجهات استهلاكاً للمياه في كاليفورنيا، لكنها تحتاج إلى مياه مُعالجة ونظيفة مثل التي تحصل عليها المطاعم والفنادق. وتستحوذ الزراعة على 80% من استهلاك المياه في الولاية، وتُستخدم فيها مياه غير مُعالجة من البحيرات والجداول، وتأتي مرافق الكهرباء في المرتبة الثانية وأحياناً ما تستخدم المياه المالحة.
ومن المتوقع أن يفوق استهلاك المياه في مراكز بيانات تتبع «وكالة الأمن القومي» الأميركية في مدينة «بلوفديل» في ولاية «يوتا» إجمالي ما تستهلكه المدينة التي يسكنها 8000 شخص حين تعمل بكامل قدراتها، وفقاً لوثائق تصميم داخلية. وتقترب مراكز البيانات، التي تمتد على مساحة 200 فدان وبدأت عملها قبل ثلاث سنوات، من الاستحواذ على عُشر استهلاك «بلوفديل» من المياه خلال العام الجاري.
اهتمام الشركات
وفي الوقت الراهن، تبرز مسألة استهلاك المياه ضمن الاهتمامات المحورية لمُشغلي مراكز البيانات، إذ تُوقف شركة «مايكروسوفت»، التي تُدير أكثر من 100 مركز للبيانات حول العالم، عمل وحدات التبريد متى سمحت بذلك درجات الحرارة الخارجية، سبيلاً لخفض استهلاك المياه، بحسب ما ذكرت مُتحدثة باسم الشركة.
وتُحاول شركة «غوغل» الحصول على المياه من الأمطار والقنوات وغيرها من المصادر غير الصالحة للشرب، وسيلة لتقليل تأثير مراكز البيانات على البيئة.
وحددت شركة «ديجيتال ريالتي ترست»، التي تُدير عشرات مراكز البيانات في أنحاءٍ مختلفة من العالم، هدفاً داخلياً بخفض استهلاك المياه بمقدار الربع في 18 مركزاً في منطقة خليج «سان فرانسيسكو» في كاليفورنيا، وبالفعل عقدت اتفاقات مع مرافق محلية لاستخدام مياه الصرف المُعاد تدويرها كلما أتُيح ذلك.
وفي الواقع لا تتوافر هذه المياه طوال الوقت، وعلى سبيل المثال، ففي مدينة لوس أنجلوس قد يستغرق الأمر لوصول خط أنابيب جديد للمياه المُعاد تدويرها سنوات لتصل إلى معظم مراكز البيانات في وسط المدينة. وأشار مُدير برنامج الاستدامة في «ديجيتال ريالتي»، آرون بينكلي، إلى التحدي الذي يُمثله موضوع استهلاك المياه.
أما شركة «إن تي تي كومينكشنز» في مدينة «سكرامنتو» في كاليفورنيا فلجأت إلى حفر آبار لتوفير مياه بكلفة أقل، ولتوفير مصادر ثانية حال توقفت المياه التي تُوفرها السلطات المحلية. وتُدير الشركة مركز بيانات «راجينج واير» الذي يستضيف مواقع شهيرة منها «تويتر».
بدورها، اتجهت شركة «دوبونت فابروس تكنولوجي»، التي تمتلك مركز بيانات بمساحة 250 ألف قدم مربعة في مدينة «سانتا كلارا»، إلى تشييد خزانين للمياه يتسع كلٌ منهما لنصف مليون غالون، مصادر احتياطية تضمن عدم نفاذ مخزونها.
ومما يُعرقل جهود الشركات في المحافظة على مصادر المياه، المخاوف بشأن تعرض مواقع الإنترنت للتوقف عن العمل. وتعتمد بعض مراكز البيانات على وحدات تبريد لا تستعين بالمياه. ومع ذلك، يُحذر خبراء بأن التقنية الخاطئة قد تنتهي إلى نتائج عكسية باستهلاك الكثير من الطاقة الكهربائية، الأمر الذي يُقوض أهم مجهودات مراكز البيانات للحد من استهلاك الكهرباء.
الإمارات اليوم