يسعى المغرب، شأنه شأن الدول الهادفة إلى تحقيق تنمية مستدامة، إلى مواجهة مجموعة من التحديات والتحولات الكبرى عبر إصلاحات هيكلية تعيد التوازن للمنظومة البيئية، وفق مقاربات جديدة، ومعايير متفق عليها دوليا للرفع من المستوى البيئي بالبلاد.
ويعد خطاب العرش 2009، ترجمة فعلية لما يصبو إليه المغرب من إصلاحات تستهدف العديد من المجالات الحيوية، دعا من خلاله الملك محمد السادس إلى انتهاج استراتيجيات طموحة، للقطاعات التي تشكل الركائز الأساسية والمستقبلية للاقتصاد المغربي، كالسياحة والصناعة والسكن والطاقة والموارد المائية، وكذا القطاع الحيوي للفلاحة، معلنا إطلاق مخطط المغرب الأخضر.
فالفلاحة، وكما هو معلوم، قطاع حيوي يلعب دورا كبيرا في خلق التوازنات الاقتصادية والاجتماعية للمغرب، إذ يساهم هذا القطاع الحيوي بـ 19 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، منها 15 بالمائة في الفلاحة و4 بالمائة في الصناعة الفلاحية. ويشغل هذا القطاع قرابة 4 مليون قروي، يحظى فيها قطاع الصناعات الغذائية بحوالي 100 ألف يد عاملة، وما يقارب 50 بالمائة من مجموع القوى العاملة في المغرب، أي حوالي 14 مليون نسمة، ويوفر الأمن الغذائي لأكثر من 30 مليون نسمة.
ورغم كل هذا، أثبتت بعض الدراسات أن القطاع الفلاحي المغربي ما زال يعاني مشاكل كثيرة تساهم وبشكل مباشر في تأخره، كالزيادة في النمو الديمغرافي والحضور القوي لهاجس الأمن الغذائي أمام تزايد الحاجة إلى الغذاء، وضعف المردودية المائية بسبب قلة التساقطات وتأثيرات المناخ، وغياب التدبير الجيد والملائم للقطاع، وارتفاع أسعار المنتجات الفلاحية بالأسواق الدولية.. وغيرها من الأسباب التي دفعت بالمغرب إلى إعادة النظر في إستراتيجية قطاعه الفلاحي. وانطلاقا من هذه الوضعية، جاء المشروع الملكي “المغرب الأخضر” الرامي إلى خلق وتخطيط إستراتيجية فلاحيه جديدة للعشرية المقبلة (2009-2020)، والذي تهدف وزارة الفلاحة من ورائه إلى الحفاظ على الموارد الطبيعية خصوصا الماء، واعتماد نظام السقي بالتنقيط على مستوى 550 ألف هكتار عوض السقي الموضعي، وتهيئ 16 جهة فلاحية، مع مراعاة خصوصية كل جهة على حدا لتعبئة جميع الفاعلين وفي مختلف القطاعات، واعتماد قانون جديد يتماشى والدور الجهوي الجديد الذي أصبحت تلعبه الغرف الفلاحية التابعة لوزارة الفلاحة والصيد البحري، بعد إعادة هيكلة هذه الأخيرة.
ولتفعيل مخطط “المغرب الأخضر” تم اعتماد بعض الآليات المساهمة في تنفيذ هذا المشروع، كالمكتب الوطني للسلامة الصحية للمواد الفلاحية، ووكالة التنمية الفلاحية، المكلفة بتدبير الشراكة مع المستثمرين المحليين والأجانب، و تشجيع الاستثمار في القطاع الفلاحي عبر إطلاق مشاريع جديدة ترفع من معدلات الاستثمار الفلاحي، بحيث أن الاستثمار المعتمد لإنجاز مشروع “المغرب الأخضر” يقدر بـ 147 مليار درهم.
ويقوم المشروع الفلاحي ” المغرب الأخضر” على دعامتين أساسيتين، إحداهما سميت بـ”قطاع الفلاحة ذات قيمة مضافة مرتفعة وإنتاجية عالية”، والتي تتطلب ضخ استثمار سنوي يقدر بـ 10 ملايير درهم بهدف تطوير الفلاحة العصرية. في حين تقوم الدعامة الثانية من المشروع أو ما اصطلح عليه بـ “قطاع الفلاحة الصغرى” على “التضامن والاستثمارات الاجتماعية” أو ما يعرف بـ” العرض الاجتماعي المغربي”، المرتكز على تقديم مساعدات وبرامج لمحاربة الفقر المنتشر بين صفوف الفلاحين الصغار، والهشاشة ببعض المناطق المعزولة.
فاطمة الزهراء الحاتمي