أكد بحث علمي حديث إمكانية وجود مخزون هائل من المياه يقدر حجمه بحجم كامل كتلة المحيطات الموجودة على سطح الأرض مجتمعة، وذلك في المنطقة التي يُطلق عليها العلماء اسم “المنطقة الانتقالية”.
وذكرت مجلة “ساينس أند تكنولوجي”، العلمية المتخصصة، في تقرير حديث لها، أن روائي الخيال العلمي الفرنسي الشهير جول فيرن كان قد كتب قبل نحو 150 عاماً في روايته “رحلة إلى مركز الأرض”، عن وجود بحر واسع يقبع تحت سطح كوكبنا. أما اليوم فقد تكون هذه الصورة أقرب للواقع من الخيال، لا سيما بعد نشر مقالة غراهام بيرسون، الباحث في جامعة ألبيرتا، التي أوضح فيها أنه ورفاقه وجدوا خزان مياه كبيراً على عمق 400 إلى 600 كيلومتر تحت أقدامنا.
المنطقة الانتقالية
وقال بيرسون إنهم توصلوا إلى هذه الحقيقة بعد أن وجدوا في المياه المعدنية المنبعثة مما يسموه “المنطقة الانتقالية”، الموجودة بين الطبقة العليا والسفلى للقشرة الأرضة دليلاً على صحة ما يقولون. وقال بيرسون: إن “العينة الصخرية المعروفة باسم “رنغوديتي”، التي عثرنا عليها تؤكد وجود مناطق عميقة رطبة تحت سطح الأرض في هذه المنطقة”.
ويشير المحللون إلى أن نسبة كبيرة من مكونات تلك الصخور تتشكل من المياه، إي ما معدله 1.5%، من جزيئات الصخر هو من المياه. ويعزز هذا البحث النظريات المتعلقة بالمنطقة الانتقالية والتي كان مشكوكاً في صحتها حتى وقت قريب، حيث تتحدث عن أن جزءاً كبيراً من هذه المنطقة غني بالماء.
وكانت العينة الصخرية التي بنى عليها البحث نظرياته سميت باسم مكتشفها الجيولوجي النمساوي تيد رنغوود، الذي قال إن مياهاً معدنية خاصة وجدت في المنطقة الانتقالية بسبب الضغط العالي جداً، والحرارة الموجودة في المنطقة. ولطالما نُظر إلى هذه المياه المعدنية على أنها مكمن لأسرار كثيرة عن المنطقة، من شأنها إذا ما دُرست بعمق أن تحل جدلاً واسع النطاق يدور حول ما إذا كانت المنطقة مليئة بالمياه أو شديدة الجفاف.
تدخل الحظ
وتمثلت المشكلة التي لطاما أرقت العلماء في هذا الشأن في أنهم كانوا يعثرون على حجر “رنغوديتي”، في بقايا النيازك التي تصل الأرض فقط، وليس في أعماق الأرض، إلا أن هذه الحال تغيرت بحسب ما يؤكدون.
وقال بيرسون: “إن الأمر كان فيه قليل من الحظ، كما هي الحال مع أغلب الاكتشافات”. ففي عام 2008، عثر هواة البحث عن الماس بعد تنقيبهم في المياه الضحلة بمنطقة “ماتيو غراسو”، في البرازيل على حصى صغيرة تسمى الماس البني. ويبلغ قياس هذه الحصى 3 مليمترات فقط، فضلا عن أن قيمتها التجارية لا تساوي شيئاً، غير أن الباحثين وجدوا في هذه الحصى دلائل تفيد في البحث عن المنطقة الانتقالية. وفتحت هذه الصدفة المحضة الباب واسعاً لكشف أسرار المنطقة المذكورة.
ووجد العلماء لدى فحص مكونات هذه الحصى أنها تحوي على جزيئات صغيرة من مكونات حجارة “رنغوديتي”، التي يعول عليها في الكشف عن المنطقة الانتقالية. من جانبه قال بيرسون : “إنها حجارة صغيرة جداً، غير أن هذا القدر القليل من الأدلة على وجود المنطقة صعب العثور عليه، وبالتالي تستحق هذه الصخور الدراسة”.
ويقول فريق العمل على المشروع إن الماس البني ارتفع إلى سطح الأرض بعد ثوران بركاني، منتقلاً عبر صخور “كمبرلايت”، البركانية، التي تشتهر باحتوائها على الماس. وتطلب التأكد من هوية حجارة “رنغوديتي”، سنوات من العمل المخبري باستخدام التحليل الطيفي والأشعة السينية.
وكان هانز كيبلر، الجيولوجي في جامعة “بيروث”، بألمانيا، قد حذّر من المبالغة في حجم المياه التي عُثر عليها في حجارة “رنغوديتي”، والتي يتم دراستها، مضيفاً أن مياه المنطقة الانتقالية قد تكون حجزت في أجزاء صخرية أخرى تسمى “هيدروكسيل”.
وعلى الرغم من بعض الاعتراضات على ما تم التوصل إليه حتى الآن، إلا أن غراهام بيرسون، قائد فريق البحث عن المنطقة الانتقالية من جامعة “ألبيرتا”، يقول إن آثار هذه النتائج تعتبر عميقة، مضيفا أنه إذا كانت المياه موجودة تحت سطح الأرض بهذه الكمية الكبيرة فلا بد من أن يكون لها تأثير كبير على حركة البراكين والصفائح التكتونية. ويؤكد بيرسون على أن “الماء يُغيّر طريقة عمل كل شيء على هذا الكوكب”.
البيان