شكلت الأزمة الصحية العالمية تحولا جذريا في التكنولوجيا حيث أكدت قيمتها في تحريك الاقتصادات وحصنها ضد التقلبات، الأمر الذي سلط الضوء على توجهات المستقبل نحو شبكات الجيل الخامس والذكاء الاصطناعي في ظل تقدمها السريع وقياداتها لتقدم الدول.
كشفت شركة سيسكو عن أبرز توجهات التكنولوجيا للعام 2021 وما بعده والتي ترى فيها فرصا واعدة لتعزيز مرونة الشركات وجاهزيتها لمواجهة التحديات المستقبلية غير المتوقعة بنجاح. وترى الشركة أن عام 2020 قد شهد وصول مستقبل التحول الرقمي بشكل أسرع من المُتوقّع. وترجح سيسكو أن يستمر ذلك خلال 2021، حيث ستصبح التوجهات المتوقعة أساسا لعام 2024 حقيقة واقعة في وقت أقرب.
وتُبشّر ابتكارات جديدة عديدة بتغييرات كبيرة في العام الجديد، وكما استنتجنا من الجائحة، فإن الاستعداد لما هو غير متوقع أمر بالغ الأهمية. وفي هذا الإطار، قالت ريم أسعد نائب الرئيس لدى شركة سيسكو في الشرق الأوسط وأفريقيا “مع بدء انتشار الجائحة، تعاونّا مع زبائننا للانتقال من مفهوم استمرارية الأعمال إلى سرعة ومرونة الأعمال. كما ساعدنا في تقديم تجارب التطبيقات المبتكرة وتوسيع نطاقها أسرع من أي وقت مضى. ومع أخذ هذه التغييرات بعين الاعتبار، نرصد اليوم ستة توجهات رئيسية تحدد المستقبل القريب لصناعة التكنولوجيا وتكنولوجيا المعلومات”.
وأضافت “كما أظهر العام 2020، فإنّ وتيرة التغيير التكنولوجي تتحرك بسرعة كبيرة، ونتوقع استمرار ذلك خلال 2021. لقد كانت الجائحة تجربة صعبة للغاية، لكن الرقمنة لعبت دورا حيويا في مساعدة الشركات والمؤسسات والأفراد خلال هذه الأزمة”. وتابعت “مازلت أتطلع بتفاؤل نحو المستقبل والدور الإيجابي الذي تلعبه التكنولوجيا في حياتنا اليومية”.
وتوضح أبحاث وتقارير سيسكو أبرز توجهات التكنولوجيا التي تتوقع رؤيتها خلال العام 2021، وهي: ستة توجهات كبرى، التوجه الأول يكمن في سدّ الفجوة الرقمية حيث سيستمر المجتمع المدعوم بتقنيات الإنترنت والنشاط الاقتصادي بالنسبة لمن يمتلكون القدرة على استخدام هذا المورد الثمين، لكن ذلك يقتصر على نصف سكان العالم فقط. وقد أكّدت الجائحة الحاجة الملحة لتوسيع إمكانية الوصول إلى الإنترنت. فحاليا 35 في المئة فقط من البلدان النامية لديها إمكانية الاتصال بالإنترنت، مقارنة مع 80 في المئة في الاقتصادات الأكثر تقدما.
وسيؤدي إدخال وتوسيع شبكات 5 جي وويفي إلى تحسين النطاق الترددي والسرعة ووقت الاستجابة وأماكن الوصول، لاسيما حيث تكون الألياف الضوئية باهظة الثمن. ونتيجة لذلك، سيستفيد جميع العاملين المتنقلين في الخطوط الأمامية والخدمات الصحية التي تُقدم عن بعد وقطاعات التصنيع والتعليم. وسيؤدي ذلك إلى تسوية الفجوة الرقمية إذ تحفز هذه التقنيات الجديدة النمو والابتكار عند الملايين من الأفراد. ووفقا لشركة “برايس ووترهاوس كوبرز”، فإن توفير الاتصال بالإنترنت للمجتمعات غير المتصلة سيضيف 6.7 تريليون دولار إلى الاقتصاد العالمي وينتشل نحو 500 مليون شخص من الفقر.
أما التوجه الثاني فهو تعزيز التجربة والسلامة بالاعتماد على المستشعرات حيث ستحتل المستشعرات الخاصة بالصحة والسلامة والرفاهية سواء الشخصية أو المرتبطة بالقوة العاملة موقع الصدارة في 2021. وسيتم استخدام مستشعرات تشبه الملصقات لتتبع الصحة والرفاهية من خلال أجهزة استشعار رياضية ترصد الحالة الصحية. وستساعد الرؤى القائمة على البيانات والتي تقدمها المستشعرات في توفير بيئة أكثر أمانا وصحة وإنتاجية في مكان العمل. وإلى جانب تقنيتي ويفي 6 و5 جي وتقنيات تحديد الموقع وحلول التعاون مثل ويب إكس، ستحدد تلك المستشعرات المساحات غير المستغلة أو المزدحمة، مع مراقبة درجة حرارة الغرفة والرطوبة وجودة الهواء والضوء. ووفقا لدراسة سيسكو العالمية للقوى العاملة سيسكو غلوبال وورك فو، فإن 96 في المئة من الشركات قادرة على توفير بيئات عمل أفضل باستخدام تقنية مكان العمل الذكي.
والتوجّه الثالث يركز على أهم ركائز المستقبل وهي المرونة والسرعة بالاعتماد على التطبيقات فقد ساعدت السحابة الشركات على التكيف بسرعة في الأشهر الأولى للجائحة وبعد عشرة أشهر أصبحت التطبيقات الرئيسية لدى العديد من الشركات موزعة بشكل كبير. وازدادت قدرة القوى العاملة على الاتصال أثناء الحركة والتنقل أكثر من أي وقت مضى، مما أدى إلى زيادة الطلب على الأنظمة بشكل غير مسبوق.
وستحتاج فرق تكنولوجيا المعلومات إلى المزيد من المرونة وباستخدام حلول المراقبة، حيث يمكن للفرق التحول إلى رصد البيانات ذات الصلة والرؤى المهمة. ووفقا لدراسة سيسكو حول رؤية مدراء تقنية المعلومات ودراسة ترندز بلوز، فإنه مع الاستمرار في توسيع نطاق التحولات، ستكون الأفكار والرؤى والأتمتة عوامل ضرورية للنمو المستقبلي والقدرة التنافسية والمرونة. ويتطلع نحو 75 في المئة من مدراء تقنية المعلومات وصناع القرار في مجال تكنولوجيا المعلومات إلى إمكانية الاستفادة من رؤى الأعمال بشكل أفضل.
والتوجه الرابع يتمثل من خلال تجربة الزبائن في الحماس للعلامة التجارية فقد غيرت الأجهزة المحمولة والذكية مجريات الحياة اليومية وأصبحت تطبيقات الهاتف المحمول متاحة للتسوق والخدمات المصرفية والتعلم وغيرها. وخلال الجائحة، أصبحت التطبيقات أدوات أساسية لتتبع جهات الاتصال وتُمكِّن تطبيقات الأجهزة المحمولة شركات القطاعين العام والخاص من التواصل مع المستخدمين بطرق فريدة حيث يتم تشغيل معظم العمليات التجارية أيضا عبر التطبيقات. وتتيح التطبيقات المتقدمة اليوم المزيد من التفاعل الشخصي، إلى جانب الردود الفورية. ويتطلب ذلك القدرة على التحويل السريع لأحجام ضخمة من المعلومات الفورية من الشبكة إلى رؤى قابلة للتنفيذ.
ويمكن للشركات التي تستخدم مثل هذه القدرات الاستجابة للزبون حتى قبل الإبلاغ عن المشكلة. وهذا المزيج من التجربة التفاعلية المميزة والتخصيص القائم على الذكاء سيحدث نقلة في مستوى رضا الزبائن ويرتقي به إلى المزيد من التفاعل والحماس والولاء من جانب المستخدم. هذا وقد أجمع 71 في المئة من مدراء تقنية المعلومات وصناع القرار في مجال تقنية المعلومات على أن تجربة الزبائن هي أكثر من مجرد إرضاء بل تتعلق بإسعادهم.
التوجه الخامس: الهوية ومستقبل دون كلمات مرور، لقد ساهم الاتصال خلال التنقل والعمل المُوزع والاستخدام المتزايد للحلول السحابية في توفير فوائد هائلة على صعيد قابلية التوسع والتكلفة، لكنه جلب في الوقت نفسه المزيد من التهديدات السيبرانية. ويمكن لنهج انعدام الثقة زيرو تراست مواجهة هذه التحديات. ويظل ضياع أو سرقة بيانات التعريف من أبرز أسباب الانتهاكات الأمنية، وهو أمر تفاقم مع التحول الهائل الذي شهدناه نحو العمل عن بُعد. وسنشهد المزيد من التوسع في استخدام تقنيات القياسات الحيوية حيث ستعمل المنصات والمجموعات الصناعية ومزودو حلول الأمن من أجل تشكيل مستقبل خال من كلمات المرور للمستهلكين والشركات.
وتحتاج الشركات إلى البدء في الاستعداد لهذا التحول الحتمي، حيث سيتخلى المستخدمون عن كلمة المرور التقليدية كطريقة أساسية لتحديد الهوية. ووفقا لتقرير ديو ترستيد أكساس للعام 2020، فإنّ 80 في المئة من الأجهزة المحمولة المستخدمة للعمل تحتوي على مقاييس حيوية مجهزة للاستخدام، أي ما يعادل زيادة بنسبة 12 في المئة خلال السنوات الخمس الماضية.
التوجه السادس: نماذج الاستهلاك للتقنيات التي تحتاجها بالفعل، لطالما استثمرت الشركات في الحلول الرقمية العامة وغالبا ما تتكبد التكاليف مقابل ميزات لا يحتاجها المستخدمون. واليوم، تمكّن البرامج المقدمة كخدمة الشركات من الدفع فقط للميزات التي تحتاجها حاليا. ويمكنها بعد ذلك توسيع نطاق الخدمات الأخرى بسرعة وعند الحاجة. وستستمر نماذج الاستهلاك في التحول، لاسيما مع توفر المزيد من الميزات والإمكانيات عبر البرامج، سواء في موقع العمل أو على السحابة.
وتمتاز هذه النماذج القائمة على الدفع عند الاستهلاك بمرونتها العالية وتوفير التكلفة. وهذا التحول إلى نهج الدفع عند الاستهلاك سيمنح الشركات المزيد من المرونة والقدرة على التنبؤ بالتكلفة لإدارة نفقات تكنولوجيا المعلومات وهو أمر أجمع 85 في المئة من مدراء تقنية المعلومات وصناع القرار في مجال تكنولوجيا المعلومات على أهميته لأعمالهم. وخلال عام كورونا كان الترقب في العالم بشأن أنباء اللقاحات، لعلها تشكل نورا في آخر النفق الذي دخله الجميع وغطى ذلك على الكثير من الابتكارات التكنولوجية. لكن الجائحة ستترك آثارا على التطورات التكنولوجية خلال عام 2021، إذ أنها جعلت التكنولوجيا والإنترنت موضع اهتمام كبير في ذروة تفشي الوباء الذي عزل الناس عن بعضها البعض.
وكتب صحافيو “نيويورك تايمز” عن توقعاتهم بشأن التوقعات التكنولوجية خلال الأشهر المقبلة ومنها التحويلات الرقمية التي أجبرت أزمة فايروس كورونا والقيود التي رافقتها الكثيرين على اعتماد تطبيقات الهواتف الذكية في المدفوعات عوضا عن الطريقة التقليدية باستخدام النقود.
تحديات عمالقة الإنترنت
ستواجه كبريات الشركات التقنية مثل فيسبوك وغوغل وغيرهما تعقيدات عديدة مثل الدعاوى القضائية في المحاكم على خلفية الاحتكار، ولا يتوقع أن يكون الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن متساهلا مع هذه الشركات. وستواجه شبكات التواصل الاجتماعي معركة قضائية خلال العام الجاري بسبب القسم 230 من قانون آداب الإنترنت الذي كان يشكل لها حماية قانونية في ما سبق.
الحياة خلف الشاشات أكثر: كانت تطبيقات مثل “زووم” و”غوغل ميت” موجودة منذ سنوات، لكنها انتعشت خلال “سنة كورونا”، مما اضطرها إلى تحديث مزاياها لمراعاة التدفق الهائل من طرف المستخدمين، ومن المرجح أن تظل مستخدمة في 2021. ومن المرجح أن تبرز تطبيقات جديدة تتحدث عن اللياقة البدنية مثل “أبل فيتنس” وغيرها من التطبيقات في حقول شتى، مما يجعل حياتنا وراء الشاشات أكثر من الواقع.
ورأت مجلة “فوربس” أن الاتجاهات التقنية في 2021 ستشمل بشكل رئيسي الذكاء الاصطناعي، أي الأجهزة التي تحاكي الذكاء البشري، وتحسن من عملها بناء على المعلومات التي تجمعها. وكان الذكاء الاصطناعي حاضرا بقوة خلال جائحة كورونا، ومن المرجح أن يكون حاضرا أيضا خلال عام 2021، فالبيانات الضخمة التي تجمع عن المرضى والعدوى كبيرة، وهو ما يحتاج خوارزميات تعلم آلي، إذ أنها قادرة على الكشف عن العديد من الحلول.
الروبوتات والدرون وأتمتة المركبات: كما أظهرت أزمة فايروس كورونا، من المتوقع أن تكون هناك مبادرات أكثر بشأن المركبات ذكية القيادة، وسيكون الأمر أولوية لمقدمة خدمات النقل والسلطات، وذلك لتقليص التكاليف من العمالة البشرية، خاصة مع التذبذب في عدد الركاب. وكانت الروبوتات والطائرات المسيرة قد ظهرت خلال السنوات الأخيرة، خاصة في مجالات الرعاية والمراقبة والتصوير.
الروبوتات والدرون
يمكن توقع ازدياد الاعتماد على الروبوتات في مجال تقديم المساعدة للقابعين في منازلهم على الساعة، وتوفير الرفقة في الوقت الذي لا يكون فيه عاملو الرعاية موجودين في المنزل. ومن المرجح أن تستخدم الطائرات من دون طيار في مجال إيصال الأدوية الحيوية إلى المنزل، وهذا ما يستلزم تطوير أدائها عبر تزويدها بخوارزميات رؤية حاسوبية جديدة. ومن المتوقع أن تكون هناك طفرة في شبكات الجيل الخامس من اتصالات الهواتف المحمولة، وهذه الشبكة لا تعني فقط سرعة أكبر في تحميل صفحات الإنترنت أو قضاء وقت أقل في انتظار تشغيل مقاطع الفيديو على الإنترنت.
إن أي تقدم في سرعة شبكة الاتصال يفتح الباب أمام تطورات تكنولوجية، فخدمات الجيل الرابع 4 جي أتاحت المجال لتنامي خدمات الفيديو والموسيقى، وهذا يعني أن خدمات الجيل الخامس 5 جي قد تجعل من تكنولوجيات الواقع المعزز أكثر قابلية للتطبيق في أي زمان ومكان. وقد تطيح خدمات الجيل الخامس اتصالات تقليدية مثل الشبكات القائمة على الكابل.
صحيفة العرب