ليس من باب الترف أو المباهاة أن نعود إلى النبش في الكتب التاريخية والمراجع الأجنبية التعليمية والإعلامية، لإماطة اللثام عن علاقات المغرب الخارجية، ولاسيما تلك المتعلقة بعلاقاته مع الإمبراطوريات الكبرى في العالم، ومن ذلك علاقاته بالإمبراطورية الروسية التي اقتسمت السيطرة على العالم مع أمريكا زمنا غير يسير؛ ولكن إعادة قراءتنا لتلكم العلاقات هي من باب الذكرى، إن كانت تنفع البعض، ممن يصرون على الاحتفاظ بعقدة إزاء هذا المغرب ذي التاريخ المديد الذي كان يوما مهاب الجانب من قِبل امبراطوريات لا تغيب عنها الشمس.
يوم كانت روسيا تخطب ود المغرب لمضاهاة القوى الاستعمارية
في الوقت الذي تزايدت فيه الأطماع الغربية على السلطنة المغربية، نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، كانت روسيا تضع المغرب على قائمة أجندة سياساتها الخارجية، لاسيما مع الأخذ بعين الاعتبار ذاك الاهتمام المتزايد للغرب بهذا البلد الشمال إفريقي والذي جعله موقعه الإستراتيجي المطل على واجهتين بحريتين، يقع في واحدة من أهم نقط العبور البحرية في العالم.
وبدأ اهتمام روسيا بإفريقيا والمغرب كجزء منها، منذ أيام الإمبراطور بطرس الأول، وتحدد بتوجهاته نحو توسيع تأثير روسيا على المناطق الجنوبية لسواحل البحر الأسود، التي تأتي خلفها مساحات البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي البعيد، حيث اعتمد الإمبراطور في ذلك على اعتبارات عسكرية وسياسية وتجارية. ولكن سيادة الإمبراطورية العثمانية على الحدود الجنوبية لروسيا حال دون تحقيق ذلك.
ومرت عشرات السنين قبل أن تتمكن روسيا في سنوات حكم يكاتيرينا الثانية من التثبت على السواحل الشمالية للبحر الأسود. حينها وبالذات في الربع الأخير من القرن 18، وبواسطة ممثل السلطان محمد الثالث بن عبد الله بمدينة توسكان (إيطاليا)، تم إقامة اتصالات دائمة بين روسيا والمغرب. وتبادل رئيسا الدولتين الوثائق التي عبروا فيها عن رغبتهم بإقامة علاقات صداقة وعلاقات تجارية تضمن معاملة تفضيلية بينهما.
ولسنوات طويلة بقيت العلاقات الروسية –المغربية تتم من خلال شخصيات معتمدة من دول أوربا الغربية، وذلك لأن الاتصالات عبر البحر البيض المتوسط لم تكن ممكنة بسبب الصراع التقليدي بين روسيا وتركيا؛ ففي البدء كان وزير بلجيكا المفوض يرعى المصالح الروسية في المغرب، بعدها في (مارس 1882)، أنيطت المهمة بممثل اسبانيا الدبلوماسي. وفي أكتوبر عام 1897 تمت الموافقة على تأسيس قنصلية في المغرب وتعيين قنصل عام بدرجة وزير مفوض.
بداية الاهتمام الروسي بالسلطنة المغربية
إن عدم وجود ممثل مباشر للإمبراطورية الروسية في شمال غرب إفريقيا لفترة زمنية طويلة يُفسره المؤرخون بعدة أسباب منها؛ أولا بُعد المغرب عن روسيا بآلاف الكيلومترات. وثانيا لم يكن لروسيا رغبة كبيرة في تطوير التبادل التجاري مع المغرب؛ وأكثر من ذلك كانت تخاف من منافستها في السوق الأوربية. وفي نهاية القرن 19 تأجج الصراع بين الدول الاستعمارية الغربية لفرض نفوذها على القارة الإفريقية. وأصبح المغرب مركزا لهذا الصراع بسبب موقعه الجغرافي والعسكري على خط التقاء أوربا وأفريقيا بالقرب من مضيق جبل طارق، وعلى تقاطع الطرق البحرية الدولية. ومع توغل فرنسا وبريطانيا العظمى واسبانيا ودول أخرى في المغرب تفاقم الصراع بينها.
ولم يكن لروسيا اية طموحات شخصية في شمال إفريقيا وغرب البحر الأبيض المتوسط، بحسب بعض الكتابات الروسية، ولسنوات طويلة لم تظهر أي نشاط دبلوماسي. ولكن عندما وصلت المجابهة بين الدول الأوربية الغربية ذروتها وهددت بالتحول إلى مجابهة عالمية، تغير موقف حكومة الإمبراطورية الروسية مما يسمى “القضية المغربية”. و بالنظر إلى كون روسيا دولة عظمى، أصبح دورها منع تأزم العلاقة بين الدول المعنية بالصراع، وعدم السماح لأي منها توطيد مواقعه في المغرب على حساب الآخرين. بالإضافة لذلك اعتمدت القيادة المغربية على روسيا في منع التدخل الأجنبي في شؤونه الداخلية والحفاظ على حريته واستقلاله.
وبهدف حل المشاكل المذكورة آنفا، في مدينة طنجة، (مركز النشاط العالمي في المغرب ومقر السلك الدبلوماسي)، تم تعيين فاسيلي باخيراخت الذي عمل لسنوات طويلة بالممثليات الدبلوماسية الروسية في سويسرا وألمانيا وإيطاليا وبلجيكا والبرتغال.
وفي ماي سنة 1898، وصل باخيراخت إلى المغرب، وبدأ نشاط الممثلية الدبلوماسية الروسية نشاطه، الذي أثار الكثير من الأقاويل في أوساط السلك الدبلوماسي والقنصلي، والتي كانت تهدف التقليل من دوره وأهميته، على افتراض ارتباطه بفرنسا، إلا أنها لم تصل إلى هدفها المنشود.
روسيا تستطلع الوضع المغربي
احتل التحليل السياسي للوضع في المغرب ركنا هاما في التقارير التي كان يرفعها باخيراخت إلى وزارة الخارجية؛ وحسب تقييمه، فإنه يمكن في أي لحظة أن تحدث انتفاضة أو نزاع داخلي. ودون أن يعبأ بذلك قرر باخيراخت التوجه إلى مراكش عاصمة المغرب آنذاك، لتقديم أوراق اعتماده إلى السلطان عبد العزيز. ونظرا لإخبار السلطان بقدوم باخيراخت، فإنه وعده بأن تحظى البعثة الدبلوماسية الروسية بترحاب حار. وفعلا حظي أول ممثل للدبلوماسية الروسية باستقبال حار. وكان دخوله إلى المدينة حافلا ومهيبا. واستقبل القنصل الروسي العام والوفد المرافق له من قبل السلطات المحلية وجماهير غفيرة، واصطف حرس الشرف لتحيتهم.
وبعد مرور ثلاثة أيام تمت مراسيم تقديم باخيراخت إلى السلطان. وفي أثناء تقديمه أوراق اعتماده ألقى باخيراخت خطابا قصيرا أكد فيه أن وجود الممثلية الدبلوماسية الروسية في المغرب هو برهان واضح للنوايا الطيبة للإمبراطور الروسي. وفي رده أشار السلطان بأنه وحكومته سعداء لتوثيق العلاقات مع الإمبراطورية الروسية.
مع تعيين باخيراخت أصبحت لروسيا ممثلة مباشرة في المغرب على قدم المساواة بالدول الأخرى. مما سمح لها بسرعة بحل القضايا الجيوسياسية الخاصة بها على ضوء مصالحها. وكُلف القنصل العام بالحصول على ثقة السلطان وتقوية العلاقات “الرفاقية” والعملية مع الممثلين الدبلوماسيين للدول الأخرى في طنجة.
وتشير التقارير الروسية إلى أن مستقبل العلاقات الروسية–المغربية ارتبط بدرجة كبيرة بمدى نجاح القنصل في تنفيذ التكليف.
من جهتها اعتمدت السلطات المغربية على مساعدة ودعم روسيا العظمى وشكرت نيقولاي الثاني على فتح الممثلية الدبلوماسية الروسية في طنجة. وللتعبير عن امتنانهم لنواياه الطيبة تجاه مملكة الأشراف، فقد قرر السلطان في شهر أبريل من سنة 1901 إرسال بعثة دبلوماسية طارئة إلى روسيا البعيدة برئاسة وزير الخارجية سيدي عبد الكريم بن سليمان. وأخذا بالاعتبار ارتباط المغرب بدول أوربا الغربية، أوفد السلطان بعثات مماثلة إلى كل من باريس ولندن وبرلين.
روسيا تخطب ود المغرب..
في الجانب الآخر الروسي قرر المسؤولون الاستفادة من وصول البعثة المغربية، لحل مجموعة من المسائل المتعلقة بالسياسة الخارجية ومن ذلك؛ أولا: العمل من أجل أن تنقل البعثة المغربية أحسن انطباع عن تواجدهم في روسيا، وأن يتحدثوا عن عظمة وقوة الإمبراطورية الروسية. وثانيا: العمل من أجل إقناع أعضاء الوفد بأنه على المغرب تقوية علاقته بفرنسا وعدم الاعتماد على صداقة انجلترا. وثالثا: من الضروري التأكيد على فكرة كون السياسة الروسية خالية من الأطماع، وبفضل قوتها يكون الاتحاد معها مهم جدا، وخير مثال هو تعاظم هيبة فرنسا بعد تقاربها من الإمبراطورية الروسية. ورابعا: كان لابد من التأكيد في أثناء المباحثات على أن روسيا تقف إلى جانب إبقاء الحالة الراهنة للمغرب، أي استقلاله السياسي ووحدة أراضيه.
وصلت البعثة المغربية إلى سانكت بطرسبورغ في 20 يوليوز، وفي اليوم التالي طلب رئيس البعثة وزير الخارجية سيدي عبد الكريم بن سليمان، عن طريق وزير الخارجية الروسي رسميا مقابلة نيقولاي الثاني، لكي يسلمه رسالة شخصية من السلطان مولاي عبد العزيز، وتمت المقابلة في 24 يوليوز. وأشار نيقولاي الثاني في رسالته الجوابية إلى السلطان، بأنه استقبل البعثة المغربية بارتياح خاص، لأنه يرى في إرسال بعثة رسمية إلى روسيا رغبة مولاي عبد العزيز الصادقة في تعزيز علاقات الصداقة بين البلدين، وثمن عاليا توجه السلطان نحو تقريب الدولتين الصديقتين.
ولم يمر التواجد الروسي في المغرب دون أن يخلف ردود فعل بين السكان المحليين، بين حب الاطلاع والتعجب. وظهر ذلك للمرة الأولى في نونبر سنة 1899، عندما دخلت السفينة الروسية المدرعة “بيتروبافلوفسك ” ميناء طنجة، حيث عرض قائدها على الراغبين الصعود على ظهر السفينة لمشاهدتها. وخلال ثلاثة أيام زار السفينة 300 مغربي، ومعظمهم جاء من المدن الداخلية للمغرب.
وأشار باخيراخت في أحد تقاريره إلى وزارة الخارجية إلى تقييمه الإيجابي لهذا العمل، وأنه انتشرت في المغرب شائعات عن قوة روسيا ورحابة صدر وكرم البحارة الروس. وحسب التقرير نفسه فإن المغاربة أخذهم العجب بالكامل، لأنه لم يسبق أن دللتهم قيادة أجنبية أخرى كما أتاحت لهم روسيا ذلك. كما أن وجود بعض التتار الذين لهم نفس المعتقد (مسلمون)، سهّل التحدث معهم وزاد من إعجابهم بطاقم المدرعة الروسية.
في الفترة بين أكتوبر ونونبر سنة 1904 دخلت ميناء طنجة ثلاثة قطعات حربية من أسطول المحيط الهادي الثاني، المتجه إلى الشرق الأقصى للمشاركة في الحرب مع اليابان. وقام قادة هذه القطعات بزيارة ممثل السلطان، الذي في إجابته على سؤال كيف يوفق بين قواعد الحياد ووجود الأسطول الحربي الروسي في طنجة، اعتبر أن المغرب يرتبط بروسيا باتفاقيات، وهم أصدقاء وليس هناك حسب رأيه ما يمنع توقفها وتزويدها بما هو ضروري في موانئ السلطان. أما ما يتعلق بالسكان المحليين وتحسسهم من تواجد السفن الحربية الأجنبية في المياه الإقليمية للمغرب، وحسب تقييم باخيراختن فقد استقبلوا الممثلين الروس بمودة.
روسيا تدافع على استقلال المغرب
في سنة 1905 نشبت أول أزمة مغربية بسبب المنافسة بين دول أوربا الغربية على مناطق النفوذ في إفريقيا، ومن ضمنها المغرب. ولأجل حل الخلافات انعقد مؤتمر الجزيرة الخضراء الدولي. في هذا الوقت ضعف تأثير الإمبراطورية الروسية بشكل ملموس على الأحداث الدولية، ومنها شمال إفريقيا نتيجة اندحارها في حربها مع اليابان في عامي 1904-1905 . ولكنها تمسكت بموقفها حول استقلال المغرب والمحافظة على وحدة أراضيه، ومساواة حقوق الدول الأجنبية في هذا البلد.
انفض المؤتمرون وخرجوا بتوصيات منها مجموعة قرارات تضمن مصالح جميع الدول الممثلة في المغرب. إلا أن توزيع القوى كان لصالح فرنسا، التي حصلت على إمكانية توسيع نفوذها. وتم هذا بدرجة كبيرة بدعم من روسيا.
وخلال 8 سنوات من وجود باخيراخت في طنجة حصلت في البلاد المغربية تغييرات كثيرة. وحافظ المغرب على كونه دولة مستقلة، إلا أن تنفيذ مواد الوثيقة الرئيسية لمؤتمر الجزيرة الخضراء الدولي كُلف بها الدبلوماسيون الأجانب، الذين مثلوا مصالح بلدانهم، وفي نفس الوقت كانوا يديرون الأمور الداخلية للمغرب. ونتيجة ذلك ظهرت وبشكل ملح ضرورة تغيير القنصلية الروسية العامة إلى بعثة دبلوماسية. وكان هذا ضروريا خاصة وأن كل الممثليات الأجنبية في المغرب كانت تحمل صفة بعثات دبلوماسية، ورؤسائها هم من درجة سفراء فوق العادة ووزراء مفوضين؛ ومثل هذا الوضع لم يكن يعبر عن هيبة الدبلوماسية الروسية في المحافل الدولية.
وتضمن موقف روسيا الاساسي منع وقوع إمبراطورية الشرفاء تحت تأثير هذه أو تلك من الدول المتنافسة. ومع مرور الوقت كان بإمكان ألمانيا أو فرنسا وضع يدها على المغرب، وهذا غير ملائم لروسيا، لأنه كان سيسمح لألمانيا التوغل إلى البحر الأبيض المتوسط أولا، وثانيا عند التأكد من أن المغرب أصبح جزءا من فرنسا، كان عليها من الطبيعي البحث عن إمكانيات جديدة لتعويض فقدانه، وهذا أيضا لا يمكن أن يلائم روسيا إطلاقا.
كل هذه الحجج كانت تشكل أساس التوجهات التي أرسلتها وزارة الخارجية الروسية إلى بطرس بوتكين الوزير المفوض مدير القنصلية العامة للإمبراطورية الروسية في المغرب، الذي حال استلامه مهام عمله في شتنبر سنة 1907، طرح على مسؤوليه موضوع تحويل القنصلية العامة إلى بعثة دبلوماسية ومنحه درجة سفير فوق العادة ووزير مفوض، بالرغم من أنه كان يعلم أن هذا الأمر يتطلب تخصيص مبالغ إضافية.
في نفس الوقت عندما طرح وزير الخارجية ألكساندر إزفولسكي هذا الموضوع على نيقولاي الثاني، أشار إلى عدم جدوى تحويل القنصلية العامة في طنجة إلى بعثة دبلوماسية، مؤكدا بأنه عندما يقوم السلك الدبلوماسي بأي فعاليات مقررة في مؤتمر الجزيرة الخضراء لم تظهر أي شكوك أو سوء فهم لصلاحيات الممثلية الروسية، لكون المكلف بها وزير مفوض وليس سفيرا. ولتحاشي صرف مبالغ إضافية اقترح الاكتفاء بمنح بوتكين درجة سفير فوق العادة ووزير مفوض فقط وهو ما تم فعله.
وأصبح النشاط الأساسي لبوتكين في المغرب هو القيام بدور الوسيط في الصراع بين الأطراف المتنافسة. وبدون تضخيم أهمية نشاط السلك الدبلوماسي أكد على أنه بدون تصويت روسيا لصالح فرنسا فإن سياسة التوغل السلمية للأخيرة كانت ستلقى عقبات دائمة. واعتمادا على هذا فإن الجانب الفرنسي يعتز كثيرا بالدعم الروسي ويعقد عليه آمالا كبيرة في حل المسألة المغربية المستعصية. ولهذا السبب فإن الحكومة الفرنسية واعترافا منها بنشاط القنصلية العامة لروسيا في المغرب، طرحت على وزارة الخارجية للإمبراطورية الروسية موضوع تحويلها إلى بعثة دبلوماسية، مؤكدة أن هذا بدون شك سوف يرفع هيبة روسيا وتتناسب بدرجة كبيرة مكانتها ودورها في السياسة العالمية.
المغرب في قلب التحولات الدولية..
لقد فسحت قرارات مؤتمر الجزيرة الخضراء المجال أمام فرنسا التي لا فقط توغلت بنشاط في المغرب، بل احتلت أجزاء من أراضيه، مما أثار عدم رضى ألمانيا. وأدت المنافسة الألمانية-الفرنسية في المغرب إلى ما يسمى حادث الدار البيضاء ( 1908-1909 ).
وقفت روسيا في صراع الدولتين العظيمتين إلى جانب فرنسا، واستجابة لرغبة فرنسا قررت الحكومة الروسية في ماي سنة 1910، تحويل قنصليتها العامة إلى بعثة دبلوماسية، إلا أن المبالغ المخصصة بقيت على مستواها السابق. مما أثار غضب بوتكين، ومع ذلك لم يتمكن من الحصول على مبالغ إضافية. إضافة إلى حصول تغير في السياسة العامة للإمبراطورية الروسية في المغرب، حيث تقرر تبديل وكلاء القناصل الروس بقناصل فرنسيين، الذين كان من واجبهم رعاية مصالح المواطنين الروس في هذا البلد.
وأدت هذه السياسة إلى إضعاف دور الدبلوماسية الروسية في المغرب. وفي يوليوز/غشت سنة 1910 عيّن السلطان مولاي عبد الحفيظ، الحاج محمد الموكري ذا التوجه الفرنسي وزيرا أول وكلفه بوزارة الخارجية والمالية والعلاقات الاجتماعية، وكان هذا بداية لإضعاف موقف روسيا في المغرب.
في عام 1911 عاش المغرب أزمة ثانية، والتي نجمت بالأساس عن تضارب مصالح فرنسا وألمانيا. وفي سنة 1912 تم توقيع اتفاق فاس القاضي بفرض الحماية الفرنسية على المغرب، والمتضمن لمعاهدة تقسيم مناطق النفوذ في السلطنة بين فرنسا واسبانيا. وأصبحت العلاقات الروسية-المغربية منذ سنة 1912 تسهر عليها كل من باريس ومدريد، وتأسيسا على ذلك كان من الطبيعي أن يغادر (في مارس عام 1912) بوتكين طنجة.
وفي فبراير عام 1913 تحولت البعثة الدبلوماسية الروسية إلى قنصلية دبلوماسية عامة. وتم رفض روسيا في فبراير عام 1914 لنظام “الاستسلام” في المغرب والذي عمليا لم تستخدمه. وبسبب الحرب العالمية الأولى وثورة اكتوبر في روسيا والحرب العالمية الثانية انقطعت العلاقة المباشرة بين البلدين لفترة زمنية طويلة والتي أعيدت وتطورت في الخمسينات ولكن بين الاتحاد السوفييتي والمملكة المغربية. وتلكم قصص تاريخية أخرى.
بدْء علاقات مُميزة!
من الأحداث المهمة في تاريخ العلاقات بين البلدين، في العصر الحديث، زيارة الملك الراحل الحسن الثاني إلى موسكو في أكتوبر سنة 1966، حيث تم خلال هذه الزيارة التوقيع على اتفاقيات التعاون في مجالات الثقافة والبث الإذاعي والتلفزيوني والاقتصاد، وفي مجال العلم والتقنية. وأيضا تصدير الآلات والمعدات السوفيتية إلى المغرب. وزار ولي العهد المغربي، حينئذ، جلالة الملك محمد السادس موسكو على رأس وفد مغربي هام في عامي 1982 و 1984.
ومن جانبه زار المغرب رئيسان لمجلس السوفيت الأعلى ( ليونيد بريجنيف في فبراير سنة 1961 ونيقولاي بودغورني في أبريل سنة 1969)، ورئيس مجلس وزراء الاتحاد السوفيتي ألكسي كوسيجين في أكتوبر عام 1971.
وتحتل زيارة الملك محمد السادس إلى موسكو في الفترة ما بين 14 -18 أكتوبر سنة 2002 موقعا مهما في تاريخ العلاقات الروسية–المغربية؛ بحيث من خلال مباحثاته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تم التوقيع على بيان مشترك حول الشراكة الإستراتيجية بين روسيا الاتحادية والمملكة المغربية.
وفي الفترة ما بين 22-23 نونبر سنة 2005 قام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أثناء جولته في شمال إفريقيا بزيارة المغرب واستقبله الملك محمد السادس. كما التقى رئيس الوزراء ووزير الخارجية والتعاون.
أما في 7 شتنبر عام 2006 فقد قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بزيارة رسمية إلى المغرب (مدينة الدار البيضاء)، والتي أجرى خلالها مباحثات انفرادية، وبمشاركة الوفد المرافق، مع الملك محمد السادس. وفي نهاية المباحثات وقعت مجموعة وثائق للتعاون في مجالات مختلفة.
وتم في عام 2006، في موسكو، لقاء وزير الخارجية والتعاون آنذاك، محمد بن عيسى ووزير الدولة المغربي فاسي فهري مع وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، وسكرتير مجلس الأمن الروسي إيغور إيفانوف.
وفي الفترة ما بين 27 فبراير و1 مارس سنة 2007 قام وفد مغربي ضم في عضويته وزير الداخلية شكيب بن موسى ووزير الخارجية والتعاون المغربي الطيب فاسي فهري وكاتب الدولة في الداخلية فؤاد علي الهمة. كما قام ياسين المنصوري المدير العام للإدارة العامة للدراسات والمستندات (مخابرات خارجية) بزيارة عمل إلى موسكو، حيث أجرى مباحثات مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وسكرتير مجلس الأمن إيغور إيفانوف.
العلاقات الاقتصادية..
حققت العلاقات الثنائية في الاقتصاد والتقنية أفضل تطور لها في مجالي الطاقة وصناعة التعدين. وتم بمساهمة الاتحاد السوفيتي وروسيا بناء المحطة الكهروحرارية “جرادة “، ومجموعة من السدود كسد المنصور الذهبي، بالإضافة إلى مساهمة روسيا في مد خطوط كهرباء الضغط العالي لمسافة 200 كلم، وكذا مساهمتها في تشييد محطة “مولاي يوسف” الكهرومائية. وفي سنة 1999 أنجزت شركة “إينيرغوماش إيكسبورت” الصيانة الكاملة للمحطة الكهروحرارية” جرادة.
ويعتبر مجمع سد “الوحدة” ( ساهمت في إنشائه شركة تيخنوبروم إيكسبورت ) رمزا للتعاون المثمر بين البلدين، وهو من أضخم مجمعات الطاقة المائية في العالمين العربي والإفريقي، واعتمدت روسيا له مبلغ 100 مليون إيكيو يقدم إلى المغرب كقرض. وفي عام 1998 باشر المجمع بإنتاج الطاقة الكهربائية. ويوفر هذا المجمع 30 بالمائة من مجموع الطاقة الكهرومائية المنتجة في المغرب.
وفي دجنبر عام 2004 زار وفد من شركة “زاروبيش فودوستروي” مدينة الرباط. وترغب هذه الشركة في الاشتراك في المناقصة الخاصة بتزويد المدن والقرى الشمالية الشرقية للمغرب بالمياه.
وتعتبر المملكة المغربية ضمن ثلاثة دول ( هي كذلك مصر والجزائر ) من الدول الرئيسية التي لها علاقات تعاون تجاري مهمة مع روسيا على الصعيد الإفريقي؛ وفي عام 2005 احتلت المركز الأول. وتتميز المرحلة الحالية للعلاقات التجارية الاقتصادية بين البلدين بارتفاع ثابت لحجم التبادل التجاري منذ عام 1994؛ حيث بلغ حجم التبادل التجاري في عام 2008 ما يناهز 1346.6 مليون دولار أمريكي. وتُصدر روسيا إلى المغرب بشكل أساسي المواد الخام (النفط والفحم الحجري )، والحبوب إضافة إلى ذلك تصدر الصفائح المعدنية والمواد الكيمياوية والأسمدة والأخشاب.
ومنذ سنة 1998 تحتل روسيا المركز الثاني ( بعد الاتحاد الأوربي ) بين مستهلكي المنتجات الزراعية المغربية ( الحمضيات و الطماطم). وتطورت باطراد العلاقة بين الشركات الروسية والمغربية. وفي سنة 2008 جرت اتصالات مكثفة بين الشركة الروسية المساهمة “ماغنيتوغورسكي ميتالورغيتشسكي كومبينات”، وشركة “مغرب ستيل” المغربية.
كما تعمل في مجال التنقيب الجيولوجي في المغرب شركة “زاروبيج جيولوجيا” والشركة المساهمة الروسية ” تيسامو غروب”. وفي عام 2008 بدأت العمل في السوق المغربية شركة جديدة هي شركة “إنتيكو “، التي تعهد أصحابها باستثمار أكثر من 325 مليون يورو في بناء 2 مليون متر مكعب من المباني السياحية بالمغرب.
وفي سنة 2005 أجريت مباحثات لزيادة حجم صادرات مصنع الجرارات بمدينة فلاديمير، ومصنع بناء الآلات، حول توريد شركة “يفروخيم” إلى المغرب المواد الكيمياوية بصورة مباشرة (الأمونيا والكارباميد ونترات الأمونيا). ومنذ 2005 أيضا تجري شركة “سيفرستال” مباحثات حول توريد معادن نصف مصنعة إلى شركة الميتالورجيا “سوناسيد” المغربية. وتعمل في المغرب خمس مؤسسات مشتركة مع روسيا مختصة ببناء الموانئ، واستخراج الجبس ومعالجته، والحفر في الماء، وبيع المعدات الزراعية.
وبحسب متتبعين روس فقد أظهرت القيادة المغربية اهتماما بإقامة علاقات طويلة الأمد للتعاون في مجال
التقنية العسكرية مع روسيا، وخاصة شراء معدات حربية مضادة للدبابات ومدفعية مضادة للطائرات، إضافة إلى قطع الغيار للأسلحة الروسية.
التعاون الثقافي..
في شهر أبريل سنة 1998 تم في الرباط توقيع اتفاق تعاون بين وكالة إيتار–
تاس ووكالة الأنباء المغربية الرسمية. ويعمل في المغرب، بعقود، 10 أساتذة روس على الأقل في مجال التعليم المهني. ويدرس في الجامعات والمعاهد الروسية ما يفوق ألْفي و500 طالب مغربي. وفي مارس سنة 2004 تم توقيع اتفاق بين (معهد آسيا وإفريقيا ) التابع لجامعة موسكو، وجامعة محمد الخامس المغربية بشأن تعليم الطلاب والمتدربين والباحثين العلميين.
وعلى مستوى العلاقات في مجال السياحة فإن أحسن مثال لتوثيق التعاون في مجال السياحة هو مشروع بناء مجمع سياحي في ضواحي مدينة مراكش ( يبلغ حجم الاستثمارات المالية به حوالي 150 مليون يورو)، بمساهمة شركة الاستثمارات المالية الروسية “ميتروبول” والمصرف الاستثماري المتحد.
وكان من بين الأحداث المهمة في العلاقات الثنائية هي تلك المتعلقة بإقامة أيام ثقافية للمملكة المغربية في روسيا، وأيام ثقافية روسية بالمملكة المغربية.
نورالدين اليزيد (عن ويكيبيديا وروسيا اليوم بتصرف)