أعلنت قناة «نيتفليكس» الأمريكية، في الآونة الأخيرة، عن تقديمها تجربة مشاهدة فريدة عبر عصبة الرأس الجديدة «MUSE» التي لن يحتاج معها المشاهد تحريك أي إصبع؛ إذ سيكون بمقدوره التنقل بحرية بين البرامج والمسلسلات بمجرد التفكير في ذلك. وأثار الابتكار الجديد جدلاً علمياً واسعاً حول الحدود المسموح بها لاستخدام أجهزة قراءة الأدمغة، وعلى الرغم من أن القناة لم تعلن عن موعد إتاحة العصبة تجارياً، فإنها فتحت باباً واسعاً لمناقشة أهمية انتقال هذا النوع من التقنية من المجالات الطبية إلى عالم الترفيه.
وقبل أيام من إعلان «نيتفليكس» عن ابتكارها الجديد كانت جلسات «مؤتمر إنيغما لأمن المعلومات» تناقش عدة أوراق بحثية مهمة في مدينة أوكلاند بولاية كاليفورنيا، وجذبت دراسة الباحثة تمارا بوناسي من جامعة واشنطن الاهتمام الأكبر بعد تحذيرها من استخدام قراصنة المعلومات لتقنية طبية متداولة ومنتشرة يستخدمها الأطباء عند إجراء «تخطيط الدماغ» للمرضى، وتحويلها إلى أداة اختراق أدمغة المستخدمين للإنترنت خصوصاً لمدمني الألعاب الإلكترونية.
طالبت الباحثة من خبراء أمن المعلومات تطوير برامج يمكنها إيقاف الاستخدام السلبي لما يعرف «BCI» أو واجهة الدماغ الحاسوبية التي يعتمد عليها الأطباء في تسجيل ردة الفعل اللاإرادية للدماغ، لكنها أصبحت اليوم هدفاً سهلاً يسعى وراءه مطورو الألعاب الإلكترونية لقياس مدى رضا اللاعبين عن ألعابهم، وهو ما يسمح في المستقبل القريب لقراصنة المعلومات في سرقة كل ما تريد معرفته من معلومات عن اللاعب أو المستخدم.
وواجهة الحاسوب الدماغية يقصد بها نشاط الدماغ الذي يتبلور على شكل إشارات أو موجات كهربائية يمكن التقاطها، وبالتالي فإن سر التوصيل بين الدماغ والكمبيوتر يكمن في ترجمة الإشارات الكهربائية إلى لغة يستوعبها الكمبيوتر، من قبيل لغات البرمجة على سبيل المثال.
وتشرح بوناسي مخاوفها قائلة: «تُجرى القرصنة بقراءة استجابة الدماغ لبعض الإشارات، فمثلاً عند تشغيل لعبة فيديو نرى شعارات لعلامات تجارية مألوفة تظهر على الشاشة ثم تختفي، هنا يضع القراصنة مثل هذه الصور في اللعبة، ويسجلون استجابة الدماغ اللاإرادية لهم باستخدام واجهة الدماغ الحاسوبية التي يمكن ارتداؤها وهي مزودة بأقطاب متصلة بجهاز الكمبيوتر»، مشيرة إلى أن استغلال القراصنة لمثل هذه التقنية ستمكنهم من معرفة انتماءات المستخدمين السياسية، وأحزابهم المفضلة، ومعتقداتهم الدينية وغيرها إلا أن الكثير يمكن استغلاله فيما بعد لمساومة الأشخاص وتشويه سمعتهم.
وتضيف أن استخدام هذه التقنية في بدايتها اقتصر على الجانب الطبي، لكنه انتقل سريعاً إلى جهات حكومية رسمية مثل الشرطة والوكالات الساعية إلى جمع معلومات عن المتهمين خلال إخضاعهم للتحقيق، أما الخطورة اليوم فتكمن في انتشار استخدامها على نطاق واسع في مجال الدعاية والتسويق من أجل جمع مزيد من المعلومات عن العملاء عبر تحديد ردة فعل المستهلك تجاه الإعلان عن سيارة جديدة مثلاً أو صورة للبيتزا لمعرفة ما يرغب به المستهلك من خلال قراءة استجابة الدماغ للإعلان.
وتتساءل الباحثة في نهاية دراستها، قائلة: «كان الدماغ وبالأحرى أفكارنا، حصوناً منيعة لا يمكن اختراقها، فهل آن الأوان اليوم لنفقد الملاذ الأخير للحياة الخاصة والسرية لأصحابها؟».
وكانت تلك «الترجمات» للإشارات الكهربائية المنبعثة من الدماغ بدائية تقتصر على أمور بسيطة حتى الأمس القريب، وبالتالي لا تتيح قراءة الكمبيوتر للأفكار التي تجول داخل دماغ المستخدم، حتى نجح فريق من الباحثين بجامعات «أوكسفورد» البريطانية، و«جنيف» في سويسرا، و«جامعة كاليفورنيا بيركلي» بالولايات المتحدة من إجراء اختبارات بواسطة أجهزة «BCI» متطورة من إنتاج شركة «Emotive» الأمريكية المتخصصة في تطوير معدات الاتصال المباشر بين الكمبيوتر والدماغ، وتبين من الاختبار الذي خضع له 28 طالباً في علوم الكمبيوتر أنه بإمكان الجهاز استخراج معلومات سرية من الأدمغة مثل أرقام الحسابات المصرفية، وكلمات السر للمرور للأجهزة اللوحية والهواتف الذكية والمواقع الإلكترونية، وغيرها الكثير.
تجدر الإشارة إلى أن أجهزة قراءة الدماغ ليست تقنية حديثة، ولها فوائدها الطبية المتعددة والمهمة، لكن المثير للجدل اليوم هو انتقالها إلى عالم الترفيه، فمنذ ابتكار «BCI» اقتصر استعمالها على الحالات الطبية خصوصاً للمصابين بمتلازمة «المحنبس» أو «Locked in syndrome» وهي الحالة التي يكون فيها المريض في حالة استيقاظ ووعي، لكنه غير قادر على التواصل الشفهي مع الآخرين، بسبب إصابته بحالة شلل كامل في عضلاته الإرادية عدا العينين. إلا أن دائرة هذه الاستخدامات اتسعت كثيراً في السنوات الأخيرة لتشمل تطبيقات ذات طابع استهلاكي مثل تشغيل الكمبيوتر دون لمسه، أو ألعاب الفيديو، وغيرها.
ولم تكن دراسة تمارا بوناسي هي الأولى من نوعها؛ إذ كانت «قرصنة الأفكار» من أهم الموضوعات التي حذر منها مؤتمر «Usenix Security» للأمن السيبراني، الذي عقد في مدينة «Bwlle vue» بولاية واشنطن الأمريكية منتصف العام الماضي، وقدم خلاله عدة أوراق بحثية حذرت من أن عمليات قرصنة التفكير تلك يمكن أن تحصل بواسطة الشبكات الاجتماعية لدى ممارسة الشخص الذي تتم سرقة أفكاره لبعض الألعاب الإلكترونية الشبكية؛ حيث إن ممارسة بعض تلك الألعاب يتطلب ارتداء المشترك فيها لأجهزة BCI، مع تمرير «صورة محفزة الأهداف» (target stimulus) في سياق عرض مشاهد ممارسة اللعبة، ما يتيح مستقبلاً التعرف إلى أسرار الشخص المستهدف المشارك في اللعبة.
«دابرا».. رقاقات مزروعة في الأدمغة
يطور فريق علمي من جامعات الولايات المتحدة رقاقات تسمى «دابرا» تسمح لعقل الإنسان بالتخاطب مباشرة وبدقة عالية مع أجهزة الكمبيوتر من خلال تحويل اللغة العصبية إلى لغة رقمية ثنائية تستخدمها الحواسيب.
فيليب ألفيليدا، مدير برنامج الهندسة العصبية لتصميم النظم التابعة لوكالة الدفاع الأمريكية للأبحاث المتقدمة، يقول: «إن الرقاقة «دابرا» يمكنها تحويل المعلومات الكيميائية العصبية التي تنتجها خلايا المخ إلى لغة رقمية ثنائية تفهمها الحواسيب، ويمكن استخدامها لمراقبة المرضى الذين يعانون إصابات في الدماغ والذين هم عاجزون عن التواصل مع محيطهم»، مشيراً إلى أن هذه الرقاقة تتسرب من خلال الخلايا الناعمة عندما تصل إلى نهاية عمرها؛ وذلك يعني أنه لا حاجة إلى إخراجها عبر عمليات جراحية.
ويؤكد ألفيليدا أنه ما تزال هناك تحديات كبيرة يجب تجاوزها قبل تحقيق حلم الاتصال المباشر بين الكمبيوتر والدماغ، من أهمها تطوير تقنيات حاسوبية قادرة على التعامل مع حجم الإشارات العصبية الهائلة للإنسان المتفقدة عبر عشرات الملايين من الخلايا.
ويضيف ألفيليدا: «تفتح هذه التقنيات مجالاً جديداً لابتكار علاجات للاضطرابات العصبية التي ستساعد فاقدي السمع والبصر إلى جانب المصابين بأمراض دماغية. كما أنه يمكن أن يزود الجنود بطرق جديدة للتخاطب وتسليم الأوامر فكرياً في مناطق الحروب».
عبير حسين – جريدة الخليج