تمكن فريق بحثي من “جامعة غوته فرانكفورت” (Goethe University Frankfurt) الألمانية من تسجيل أقصر مدة زمنية ممكنة لفوتون ضوئي، مرّ خلالها بين ذرتين في جزيء هيدروجين واحد، الأمر الذي يعد سابقة هي الأولى من نوعها في هذا النطاق. وحسب الدراسة التي نشرت في دورية “ساينس” (Science)، وأعلنت الجامعة عنها في بيان رسمي يوم 16 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، فإن مقدار تلك المدة المقاسة نحو 247 “زيبتو-ثانية” (zeptosecond).
وتساوي الزيبتو-ثانية جزءا واحدا من مليار تريليون جزء من الثانية، ولوصفها رقميا تحتاج أن تضع علامة عشرية، ثم 20 صفرا، ثم رقم 1. وبتلك النتائج، يحصل هذا الفريق البحثي على رقم قياسي جديد يهزم آخر كان قد حققه فريق ألماني أيضا في عام 2016، حينما تمكنوا من قياس مدة زمنية طولها 850 زيبتو-ثانية، ونشرت نتائج تلك المحاولة في دورية “نيتشر فيزيكس” (Nature Physics).
الفوتون المسافر بين الذرات
وللوصول إلى تلك النتائج، أطلق الباحثون جسيم الفوتون (المكون لشعاع الضوء)، عن طريق مسرع “ديسي” (DESY) في هامبورغ، بحيث يقوم بضرب جزيء يتكون من ذرتي هيدروجين، كل منهما يحتوي على إلكترون وبروتون. وتسري آلية عمل التجربة كالآتي: يقوم الفوتون بضرب الإلكترون الأول من الذرة الأولى، ثم ينتقل في لحظة قصيرة جدا ليضرب الإلكترون الآخر في الذرة الثانية. ولغرض التقريب، يشبه الأمر أن تقوم برمي صخرة بشكل أفقي لتقفز مرتين على سطح الماء.
وحسب قوانين ميكانيكا الكم، فإن أحد الخصائص العجيبة للإلكترون هي أنه يمكن أن يكون جسيما وموجة في الوقت نفسه، جسيم بمعنى أنه يمكن أن ينتقل إلى الأمام مثل رصاصة ترتطم بحاجز ما، وموجة بمعنى أنه يشبه موجات الضوء أو موجات المياة مثلا.
نمط التداخل
وحسب الدراسة، فإن ارتطام الفوتون بالإلكترونين صنع موجتين تداخلتا معا. ولفهم الفكرة دعنا نتأمل مثال الصخرة مرة أخرى، فحينما تلقي بها أفقيا على سطح الماء فإنها في كل ارتطام بسطح الماء تصنع دائرة من الموجات تتسع شيئا فشيئا، وفي مرحلة ما تلتقي الدائرة من الارتطام الأول مع دائرة الارتطام الثاني، ويسمى ذلك “نمط التداخل” (interference pattern).
وفي حالة الإلكترونات فإن هذا النمط من التداخل يمكن رصده وحسابه عبر ميكروسكوب دقيق جدا يسمى “كولتريمز” (COLTRIMS) طوره راينهارد دورنر الباحث الرئيس لهذه الدراسة، الأمر الذي قادهم لتقدير المدة الزمنية التي عبر خلالها الفوتون بين الذرتين.
ويأتي هذا الإنجاز الجديد في سياق سباق عالمي بين فرق بحثية كثيرة لقياس أقصر المدد الزمنية على الإطلاق، مما قد يساهم يوما ما في تطوير ميكروسكوبات أكثر دقة يمكن أن ترصد حركات الجسيمات داخل الذرة نفسها.
الجزيرة