إن شبكة الانترنت تصبح أكثر انغلاقا يوما بعد يوم لدرجة أنها تغرق، والدليل على هذا هو أنه ليس بإمكان أي أحد تصميم تطبيق إلكتروني من شأنه استقطاب الكثير من المستخدمين دون أن تعترض طريقه مؤسسة عملاقة في هذا المجال مثل (غوغل) أو (أبل)، فإحدى هاتين الشركتين لا بد وأن تمنع الدخول إلى موقعك أو تطبيقك، فمثلا يقع متجر التطبيقات الإلكتروني تماما تحت سيطرة (غوغل) و(أبل).
قد يقول البعض إن هذا غير مهم نظرا لأن هنالك عدة شركات أخرى كانت تسيطر على عالم الانترنت قبل ظهور متجر التطبيقات الإلكتروني كشركات الاتصالات، والتي كانت تسيطر على جميع الهواتف وما زالت تسيطر على الشبكات الخاصة بنقل البيانات. وبدلا من تصميم تطبيق، يمكنك أن تلجأ لتصميم موقع إلكتروني على شبكة الانترنت، لكنك أيضا ستواجه إما (غوغل) أو (مايكروسوفت)، حيث ستحدد إحداهما ما إذا كان سيتم اكتشاف موقعك وترويجه على الشبكة.
نظرا إلى اندثار معظم محركات التصفح وبقاء (غوغل) كأكبر مسيطر على هذا المجال، أصبح اكتشاف المواقع الجديدة وترويجها أمرا أصعب فأصعب. البعض قد يخالفني الرأي قائلا إن مواقع التواصل الاجتماعي مثل (فيسبوك) و(تويتر) و(غوغل بلس) تغلبت على هذه الصعوبات، وأنها الآن توفر للمستخدمين طرقا وقنوات جديدة لنشر وتبادل المعلومات على شبكة الانترنت. لكن المشكلة هي أنك إن قمت بنشر محتويات غير قانونية عبر هذه المواقع بعد الموافقة على شروطها فلن يستأذنك أحد قبل أن يلغي هذه المحتويات من المواقع، أي أنك لست في موقع سيطرة على بياناتك ومعلوماتك.
إذا كيف وصلنا إلى هذه المرحلة؟ منذ فترة التسعينيات وحتى الألفية الجديدة، كان هنالك اعتقاد شائع بأن الانترنت يجب أن يظل متاحا للجميع وأن يحصل جميع الناس على الفرصة للتعبير عن أفكارهم وعرضها على الشبكة لتقييمها، على أن يستند هذا التقييم إلى جودتها وليس إلى الشعبية التي تحظى بها أو مقدار تمويلها.
وأفضى هذا الفكر إلى عصر ثوري من الإبداع وجيل حديث من الشركات الجديدة التي حلت محل الشركات القديمة أو أعادت تشكيلها، وفي ذلك الوقت كان من الممكن لأي فكرة جيدة أن توضع تحت الاختبار وأن يتم عرضها على شبكة الانترنت دون الحاجة إلى دعم من مؤسسة كبيرة. وقد تطور جيل واحد على الأقل خلال ذلك الوقت، إذ أن مارك زوكربرغ حين قرر إطلاق موقع (فيسبوك) لم يقلق بشأن احتمالية إغلاق موقعه.
أما الآن، تحتكر بضع شركات السوق بأكملها وتسيطر عليها تماما، مما يجعل الأجيال الجديدة تفشل لأنها لا تأخذ بالحسبان أن مواقعها ستغلق فورا ولأنها لم تطالب بإبقاء شبكة الانترنت متاحة للجميع. في الماضي، كانت بدائل الانترنت معقدة وغير مريحة. ولكن مع مرور الوقت، توصل البعض ممن كانوا مسئولين عن ابتكار المواقع الجديدة إلى أن تصميم المواقع المريحة والسهلة بالنسبة للمستخدم قد يمهد الطريق لهم لجعل شبكة الانترنت محدودة ومغلقة، وذلك ليحكموا السيطرة عليها ويحتكروها. وقد عارض أنصار مبدأ الشبكة المفتوحة هذا الأسلوب بشكل كبير وشككوا به.
ومع مرور الوقت، بدأ البعض بالتحدث عن أهمية إبقاء شبكة الانترنت متاحة وأسباب هذه الأهمية، وقد أدت هذه المبادرة إلى ابتكار أفكار جديدة قائمة على أسس تقنية قوية وحلول نجحت بالنسبة لشبكة الانترنت وبالنسبة للناس الذين كانوا إطلاع كبير بشؤون الانترنت، لكن هذه الأفكار فشلت في منافسة المواقع سهلة الاستخدام.
وهكذا أصبحت المواقع سهلة الاستخدام أكثر رواجا، فأصبح (تويتر) مثلا الوسيلة المثلى لنشر الأخبار مقارنة بـ (آر أس أس – RSS) والذي هو أكثر انفتاحا. وأصبح (فيسبوك) الموقع الأسهل والمفضل لدى الجميع لمشاركة أخبارهم مع أصدقائهم مقارنة بالمدونات الإلكترونية والتي هي أيضا أكثر انفتاحا. وهكذا انتصرت المواقع سهلة الاستخدام على المواقع المتاحة والمفتوحة، وفي هذه الأثناء بدأت شبكة الانترنت بالدخول في مرحلة الانغلاق.
قبل ظهور شبكة الانترنت، كان هنالك عدد محدود جدا من الشركات المزودة للانترنت، وإحدى هذه الشركات كانت تدعى (آيه أو إل – AOL) وكانت تتقاضى أجرا بالساعة من المستخدمين الذين يودون الدردشة مع أصدقائهم، وبعدها توصل بعض الناس إلى أنه يمكن للشركات المزودة للانترنت أن تتقاضى أجرا شهريا بدل من تعرفة محددة لكل ساعة، وكان هذا إجراء مريحا وسهلا.
إن سهولة الاستخدام هي ما جعلت شبكة الانترنت تتطور. ولأنه في ذلك الحين لم تكن هنالك شركة واحدة أو شركتان تسيطران على الشبكة بأكملها، فقد تمكن العديد من إطلاق مواقع جديدة ناجحة دون القلق من أن يتم إغلاق هذه المواقع لسبب أو لآخر.
ولكننا إذا تركنا سهولة الاستخدام تعمينا عن رؤية أن شبكة الانترنت تصبح أكثر انغلاقا يوما بعد يوم، فإننا سنحرم الأجيال القادمة من فرصة بناء شركات ومؤسسات جديدة خاصة بها، وبهذا نحرم أنفسنا من فرصة رؤية ودعم تطورات جديدة ليس فقط في عالم الأعمال بل أيضا في مجتمعاتنا. لقد ظلت شبكة الانترنت متاحة لأكثر من 20 عاما، أما الآن فإنها تتوغل شيئا فشيئا في الانغلاق والجمود. فهل ستقفون جانبا وتتركون الانترنت يغرق أم ستساهمون في إنقاذه؟
تريستان لويس | Forbes