يعرف العالم اليوم كمّا كبيرا من الدراسات والكتب والمقالات والندوات وكل ما يمكن أن ينضوي في خانة مناقشة المسائل المتعلّقة بسخونة الأرض وتغيير المناخ وأثر ذلك على البيئة وعلى مستقبل الأجيال القادمة. وإذا كان الجميع تقريبا يتفقون على ضرورة أخذ تلك المسائل بأقصى درجة ممكنة من الاهتمام فإن هناك موضوعا آخر برز أخيرا، ولا يقلّ أهمية ويتعلّق بما يطلق عليه الاقتصاديون توصيف «رأس المال الطبيعي».
وتحت هذا العنوان «رأس المال الطبيعي» يكرّس الاقتصادي «ديتر هيلم»، الأستاذ في جامعة أكسفورد ورئيس «لجنة رأس المال الطبيعي» في بريطانيا، كتابه الأخير لمحاولة «تقدير ثروات الطبيعة»، كما يقول عنوانه الفرعي. والهدف هو محاولة التعرّف على حقيقة الثروات «الطبيعية» التي يمتلكها العالم الذي نعيش فيه.
ويدل تعبير «راس المال الطبيعي»، حسب التعريف المقدّم، على «ما تقدّمه الطبيعة للبشر مجّانا»، وعلى رأسها «مصادر الطاقة المتجددة» التي يمكن استخدامها باستمرار على عكس تلك غير المتجددة التي ينتهي استخدامها بانتهاء مخزونها. وبالتالي لا يمكن استخدامها سوى مرّة واحدة وحتى نضوبها الكامل.
ويؤكّد المؤلف بهذا الصدد أنه ينبغي استخدام مصادر الطاقة غير المتجددة مثل البترول والغاز حتى نضوبها. لكن أيضا «شريطة تأمين طاقات بديلة متجددة» مثل الطاقة الشمسية يمكنها التعويض عنها«. وما يشكّل بنظره أحد حقوق»أجيال المستقبل«. وهذا ما يشرحه المؤلف بإسهاب في الفصل الذي يحمل عنوان» مواجهة التحديات«.
ويتميز رأس المال الطبيعي المقصود بقدر كبير من التنوّع الذي يمثل أحد الصفات الأساسية للطبيعة بامتلاكها كمّا كبيرا من الأنواع. ويرى مؤلف الكتاب أن المحافظة على هذا»التنوّع الطبيعي«يعادل في أهميته مكافحة زيادة سخونة الأرض. ذلك أنه سبيل أساسي للبقاء وقاعدة ثابتة لأي نشاط اقتصادي، كما يشرح.
ثم التأكيد أنه ينبغي أن لا يتناقص»رصيد رأس المال الطبيعي«الذي يمتلكه البشر. بهذا المعنى بالتحديد، وفيه بالحصر، يرى أنه يمكن الحديث عن»تنمية مستدامة«تشكّل بالضرورة الهدف الذي يسعى البشر المسؤولون على تحقيقه.. وهو يناقش مثل هذا الهدف على أساس»حسابات الاقتصاد بالتحديد«.
إحدى المسلّمات الأساسية التي يؤكّد عليها المؤلف هو أن الأنواع التي يزخر فيها العالم الذي نعيش فيه قابلة للتجدد وبالتالي يبقى الباب مفتوحا للمحافظة على»رأس المال الطبيعي«. لكن شريطة أن لا يعمل البشر على» دفع أنواع عديدة في مسار يؤدّي بها إلى الانطفاء الكامل«.
ومسألة أخرى يتم التأكيد عليها بأشكال مختلفة من قبل المؤلف ــ أستاذ الاقتصاد مفادها أن المحافظة على رأس المال الطبيعي تعني المحافظة على إمكانيات الاستمرار في تأمين سبل البقاء.
وفي مواجهة ما يعتبره المؤلف نوعا من التهديد بالخراب والدمار الكاملين لـ»التنوّع الطبيعي«يحاول تقديم مجموعة من الاستراتيجيات الرامية بشكل محدد إلى تبنّي سياسات على مختلف المستويات يكون منها أن تحافظ على رأس مال طبيعي متوازن» اقتصاديا«وقابل للحياة والاستمرار»سياسيا«. ويرى المؤلف أن»التفكير الاقتصادي الجيّد والمفيد يمكن أن تكون له آثاره الإيجابية على السياسة، ويمكن أن يساهم في إنقاذ الطبيعة«.
بكل الحالات يؤكّد المؤلف أهمية ومركزية»الرهانات المستقبلية«بالاعتماد على حقائق الاقتصاد.
البيان