نشرت شركة «بوز آند كومباني» للدراسات العالمية تقريرا موسوم بـ «السبيل إلى تسريع وتيرة الرقمنة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا» وأوضحت من خلاله عن وجود فرصة تلوح في أفق منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتوقع النمو المستدام لاقتصادها، واستحداث فرص عمل قد تصل إلى 4 ملايين بحدود 2020، وذلك شرط أن تقوم دول المنطقة بتعزيز استخدام تقنيات الرقمنة(1) في جل مناحي الحياة.
وأوضح التقرير أن الاعتماد الشامل للتقنيات والتطبيقات المتصلة بالإنترنت، والمعروفة بالرقمنة، شهد تسارعا مذهلا من قبل الأفراد والشركات والحكومات في المنطقة في بادئ الأمر، حيث كانت دول المنطقة ضمن أسرع الدول العالمية في وتيرة اعتماد تقنيات الرقمنة، وذلك حسب تصنيف مؤشر الجاهزية الشبكية الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2009 – 2010. لكن هذه الوتيرة أخذت في التباطؤ بسبب اهتمام الحكومات استثماريا بمجالات أخرى على غرار البرامج الاجتماعية والأمن، وقد ساعد على ذلك الطبيعة دائمة التغير لقطاع الاتصالات وتقنية المعلومات، مما صعّب على الحكومات وضع سياسات الرقمنة وأطر حوكمتها وتطويرها..
وقد أشار التقرير إلى وجوب خلق الحكومات للتوازن في ما بين المبادرات التي تحركها الاتجاهات السوقية وتلك التي تقودها الدولة، كما يستوجب عليها كذلك التعامل مع عدد كبير من الأطراف المعنية، بما في ذلك الشركات وكل الفئات السكانية على غرار القطاع العريض من الشباب المستخدمين لتقنيات الرقمنة ممن تتراوح أعمارهم بين 15 و35 عاما، والذين أصبح يُطلق عليهم مؤخرا “جيل الرقمنة”..
وفي هذا الإطار يقول الأستاذ بهجت الدرويش الشريك في «بوز آند كومباني»: «إذا عادت وتيرة الرقمنة إلى سابق عهدها فستنتعش المنطقة بأسرها وتنعم بمكاسب جمة تعود بالنفع على الاقتصاد وفرص العمل وحركة التجارة، وتسهم في الناتج المحلي الإجمالي بمبلغ قد يصل إلى 820 مليار دولار، وسيتم استحداث ما يزيد على 4 ملايين فرصة عمل بحلول عام 2020 على أساس تراكمي». وأضاف قائلا: «مقارنة بالقيمة التي حققتها السوق الإقليمية للخدمات الرقمية في عام 2011 والتي بلغت 22 مليار دولار، فهي تواصل نموها بمعدل سنوي مركب يبلغ 12 في المائة، ومن المتوقع أن تحقق قيمة توازي نحو 35 مليار دولار بحلول عام 2015».
ولتنشيط وتيرة الرقمنة في المنطقة يستوجب على كل الفاعلين بالمنطقة التركيز على ثلاث محاور كبرى هي: تسريع وتيرة تطوير سياسات الرقمنة وأطر حوكمتها، وتوسيع نطاق عروض الخدمات والمنتجات الرقمية، وتحفيز الطلب عليها.
وبالنسبة للشق الأول يقول رامز شحادة الشريك بشركة «بوز آند كومباني»، “إن السياسة والحوكمة لهما عظيم الأثر على الرقمنة، وذلك بما تلعبانه من دور في خلق بيئة ملائمة، إلا أن تطويرهما أمر يتعذر على الحكومات نظرا لاختلاف طبيعة البيئة الخاصة بكل دولة، فضلا عما يشهده قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات من تغيير متسارع..” ويضيف قائلا: “هناك 5 مجالات يجب تأسيسها من أجل تمهيد الطريق لتسريع وتيرة الرقمنة، وعلى رأس هذه المجالات يأتي نظام الدفع عبر الإنترنت لعموم المنطقة، ففي الوقت الحالي لا تُطبِق سوى 12 دولة من أصل 22 دولة عضوا في صندوق النقد العربي نظام الدفع الآني عبر الحدود، ثانيا: على حكومات المنطقة توحيد الأنظمة والتعريفات عبر الحدود حتى تصبح التجارة الإلكترونية مجدية، فالآن على سبيل المثال أصبحت تكلفة إرسال البضائع من نيويورك إلى السعودية أقل من إرسالها من الإمارات، وثالثا: يتعلق بالحماية القانونية لرواد الأعمال الرقمية، والتي تمثل روحا لازدهار الابتكار، فعوضا عن إعاقتهم بفرض قوانين الإفلاس القاسية والمثبطة للهمم، ينبغي تهيئة المناخ لهم للتركيز على تقديم عروض رقمية مبتكرة، أما الرابع فيتمثل في الشراكة بين القطاعين العام والخاص، فهذه المشاريع التعاونية تسمح للسلطات الحكومية بمشاركة الأطراف الفاعلة في القطاع الخاص، مما يتيح لكل طرف المساهمة بما يملكه من مواطن القوة في استحداث المزيد من الخدمات والمنتجات الرقمية. أما المجال الخامس فيستلزم عملا تأسيسيا ويتعلق بتبني أجندة شمولية للأمن الإلكتروني الوطني الذي ينخرط فيه لفيف من الأطراف المعنية، وفي هذا الصدد لم يبدأ إلا القليل من بلدان المنطقة في تنسيق جهود الأمن الإلكتروني على النحو الملائم، الأمر الذي إذا لم تتداركه باقي بلدان المنطقة، فقد تتكبد تكاليف باهظة نظرا لتفشي التهديدات الإلكترونية وتزايد تعقيدها».
ومن أجل تكثيف تدفق الخدمات والمنتجات الرقمية ينبغي حسب التقرير على حكومات المنطقة إطلاق مبادرات للعرض تعمل على تطوير المنظومة الرقمية بحيث يُمكن إرخاء العنان للجهود القائمة في مجالات عدة على غرار الرعاية الصحية الإلكترونية، وأيضا تبني منهج واسع النطاق قادر على استيعاب مختلف موردي النظم الذين لن يقتصروا على شركات الاتصالات المحلية فحسب، بل سيمتد نطاقهم ليشمل مجموعة كبيرة من الأطراف الفاعلة، انطلاقا من مُصنعي الأجهزة والأدوات ووصولا إلى مُقدمي البرمجيات والمحتوى الرقمي وحتى الأفراد ممن يصممون التطبيقات..
أما المحور الثالث لتسريع وتيرة الرقمنة وهو تحفيز الطلب في تشجيع الطلب على الخدمات والمنتجات الرقمية من جانب المستهلكين والشركات والحكومات، وعلى وجه الخصوص يمكن لحكومات المنطقة توسيع نطاق الطلب عن طريق تبني أساليب متعددة على غرار تقديم الخدمات الرسمية عبر الإنترنت، وإعطاء حوافز للمستخدمين للاستفادة من هذه الفرصة، إضافة إلى تقديم حسومات على الفواتير المدفوعة عبر الإنترنت، أو اعتماد سياسة «البيانات المفتوحة» التي تتيح للجمهور الوصول إلى قواعد بيانات ضخمة ومفتوحة توفر معلومات عمومية وغير حساسة بحيث يمكن للآخرين استخدامها لتطوير تطبيقات وخدمات رقمية.
ويخلص التقرير إلى أن الرقمنة هي آلية محورية لتلبية طموحات وآمال المنطقة المتمثلة في خلق مزيد من فرص العمل والتنويع الاقتصادي عبر تعزيز مشاركة المواطن على نحو أفضل والارتقاء بجودة حياته.
عزيزة بزامي
(1) . الخدمات الرقمية تمثل ما بين 2 إلى 5 في المائة من إجمالي عائدات شركات الاتصالات في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط. في حين تُمثل هذه الخدمات ما يصل إلى 25 في المائة من عائدات شركات الاتصالات في الأسواق المتقدمة.