يجب أن تعمل دول العالم على إنهاء اعتمادها على الوقود الأحفوري، وتبني الطاقة المتجددة للحدّ من الأزمة المناخية. ربما كان ذلك بعيد المنال قبل عقد من الزمن نظرا لتكلفة بناء منشآت الطاقة المتجددة، وكان من الصعب على الكثيرين تصور أن تصبح الطاقة الشمسية هي الطاقة البديلة والمهيمنة في هذا القرن.
يقول أستاذ الاقتصاد الشمسي بالجامعة الفنلندية وخبير سيناريوهات الطاقة العالمية كريستيان برايير، “إنها حواجز فكرية ينبغي إزالتها الآن”. فتوليد الكهرباء من محطات طاقة شمسية كبيرة بات اليوم أقل تكلفة من السعر المتوسط في سوق الكهرباء، وبالتالي يتم التخلص من محطات توليد طاقة أخرى.
حل مثالي للتعافي
وهذا التوجه سيزداد في السنوات المقبلة حسب برايير، فمن جهة ستتقلّص تكلفة بناء منشآت الطاقة الشمسية في كل سنة بين 5 و10 في المئة، وفي آن واحد تنخفض تكاليف الطاقة البطارية. ويؤكد برايير “أننا سنعايش في النصف الثاني من هذا العقد تغيرات كبيرة في السوق”. ستكون هناك محطات توليد طاقة كبيرة ببطاريات، تسيطر على حصة كبرى من سوق الكهرباء. وحسب تقرير صادر عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (آيرينا)، شهدت تكاليف توليد الكهرباء من الطاقة المتجددة انخفاضا في التقنيات، ووفورات في الحجم، وزيادة تنافسية بين سلاسل التوريد، وتنامي خبرة المطورين. ووجد تقرير لمعهد روكي ماونتن الأميركي غير الربحي خلال العام 2019، أن بناء محطة للطاقة المتجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية، أقل تكلفة من إنشاء محطة توليد للطاقة الكهربائية تعتمد على الغاز الطبيعي. ووجد تقرير آخر لمركز “كاربون تراكر” خلال العام 2020، أن الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة أرخص من الاستثمار في الفحم.
وأظهرت الرسوم البيانية المنشورة مؤخرا في موقع “عالمنا بالأرقام”، وهو موقع ينشر بيانات عن العالم بالتعاون مع جامعة أكسفورد، تراجع تكلفة الطاقة المتجددة بشكل كبير، إذ توضّح الرسوم البيانية كيف انخفض سعر الطاقة الكهربائية الشمسية من 359 دولارا لكل ميغاواط ساعي إلى 40 دولارا، وبقي سعر الفحم ثابتا تقريبا. وواصل حجم توليد الطاقة المتجددة نموه خلال عام 2020 رغم الظروف العالمية الصعبة التي فرضتها جائحة كورونا، كما أن تنامي القدرة التنافسية للمصادر المتجددة بنحو مطرد، ومرونتها لناحية التركيب، وقدراتها على التوسع بسرعة وتوفير فرص العمل، تجعلها خيارا جذابا جدا للبلدان والمجتمعات التي تبحث عن عوامل تحفز نموها الاقتصادي. كما يمكن للطاقة المتجددة أن تشكل حلا مثاليا، يوفق بين تدابير التعافي قصيرة الأجل وأهداف استدامة المناخ والطاقة على المدى البعيد والمتوسط.
إن استبدال 500 غيغاواط من محطات توليد الطاقة الحالية العاملة بالفحم -وهي أقل قدرة تنافسية، مقارنة مع الطاقة الشمسية الكهروضوئية وطاقة الرياح البرية- كفيل بأن يخفض من تكاليف توليد الطاقة والتكاليف التي يتكبدها المستهلكون. كما من شأن ذلك أن يوفر مساهمة كبيرة في الناتج المحلي الإجمالي العالمي بقيمة 940 مليار دولار أميركي، وهو ما يفوق مساهمة نشر تقنيات الطاقة الشمسية الكهروضوئية وطاقة الرياح البرية العام الماضي.
وحتى لو أن السيارات الإلكترونية لا تزال حاليا غالية نسبيا، فإن التحول عن النفط في حركة السير بدأ، فمن خلال أسعار منخفضة للبطاريات ستصبح السيارات أقل كلفة في المستقبل. وتتوقع جهات مختصة زيادة في مبيعات السيارات التي تعمل بالبطاريات، وحسب تلك السيناريوهات ستعمل بحلول عام 2030 بين 40 و70 في المئة من السيارات الجديدة المباعة وحافلات النقل الصغيرة بمحرك إلكتروني.
وباتفاقية المناخ في باريس تم إنهاء العصر الأحفوري، وهذا يتم التأكيد عليه بالاعتراف بتحقيق الحياد المناخي حتى عام 2050 الذي التزمت به أكثر من 60 دولة، بينها العديد من الدول الأوروبية على غرار اليابان وكوريا الجنوبية ونيوزيلندا وأفريقيا الجنوبية. وحتى الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن يرنو لتحقيق هذا الهدف، والصين تريد أن تكون حيادية في المناخ بحلول عام 2060.
ولتحقيق هذا كله يجب تعويض النفط في كل المجالات، وهذا سيكون صعبا لاسيما في الصناعة وفي قطاع حركة السير. فحركة النقل الجوي والبحري والحافلات الثقيلة تستهلك الكثير من الوقود. والعديد من البلدان تقوم حاليا ببحوث، وتطوّر استراتيجيات بديلة للهيدروجين تمكن من حركة دفع حيادية في المناخ، ومن الهيدروجين يمكن استخراج وقود النفاثات الاصطناعي والديزل وكيماويات أولية.
وقود المستقبل
وبما أن إنتاج الهيدروجين يحتاج كثيرا إلى الكهرباء، فإن حسابات برايير تفيد بأن الطلب على الكهرباء المولدة من الطاقة الشمسية الرخيصة سيزداد، حيث يقول “التوجه بالنسبة إلى الكهرباء الشمسية يسير إلى ما تحت سنت واحد للكيلووات وهذه خطوة هامة في إنتاج الهيدروجين والطريق نحو عصر الطاقة الشمسية”. الصين، وهي ثاني أكبر مستهلك للنفط بعد الولايات المتحدة بحجم استهلاك فاق 14 مليون برميل يوميا خلال عام 2019، من أكبر الدول الباحثة عن بدائل للطاقة الأحفورية، وإن لم يكن السبب هو الحفاظ على البيئة فقط، فهو لدواع اقتصادية وأمنية.
العلماء الصينيون قدموا حلا محتملا لمشكلة إنتاج الهيدروجين، في عملية وصفت بـ”فعالة ومنخفضة التكلفة وصديقة للبيئة”، فاستخدم الفريق ألواحا نانوية تولد الطاقة من التغيرات في درجات الحرارة لإنتاج الميثانول الاصطناعي، ما قد يوفر طريقة نظيفة لإزالة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي أثناء توليد الوقود الاصطناعي. فقد تمكن الباحثون من إيجاد طريقة لاستخدام تغير درجة الحرارة المحيطة على مدار يوم لتوليد الكهرباء، واستخدام ذلك لدمج ثاني أكسيد الكربون من الهواء مع الماء لصنع الميثانول.
وكتب الباحثون أن المواد ذات البنية النانوية الكهروحرارية تظهر أنها تستخدم التغيرات في درجات الحرارة، وتقلل من ثاني أكسيد الكربون للميثانول، من أجل دفع خفض ثاني أكسيد الكربون التحفيزي الكهروحراري للميثانول عند درجات حرارة تتراوح بين 15 درجة مئوية و70 درجة مئوية، والتي تعد أفضل بكثير من الأرقام السابقة.
إنقاذ صناعة الطيران
في حال نجح العلماء الصينيون في تجاربهم على المستوى التجاري، قد يقدم ذلك حلا يرضي صناعة الطيران وينقذ كوكب الأرض في آن واحد. ومن المعروف أن السفر بالطائرة هو أحد العوامل المساهمة في ارتفاع حرارة الأرض، ولكن لا يوجد حتى اليوم بديل عن استخدام الكيروسين، لكي تتمكن الطائرة من التحليق حاملة على متنها أكثر من 500 طن.
وتتعرض المطارات وشركات الطيران والشركات المصنعة للطائرات لانتقادات متواصلة من قبل المنظمات العاملة بمجال حماية البيئة، لما تتسبب فيه رحلات الطيران من انبعاثات لغاز ثاني أكسيد الكربون، ما يساهم في رفع درجة حرارة الأرض وما ينتج عنه من تغير بالمناخ. ويؤيد رئيس قسم التقنية لدى شركة “MTU” لصناعة المحركات في مدينة ميونخ لارس فاجنر، الدعوة إلى استخدام وقود بديل، حيث يستبعد إمكانية استخدام الكهرباء لتسيير الطائرات في الوقت الحالي، قائلا “تقنيات البطاريات المتوفرة حاليا لا تسمح بتسيير طائرات تحمل على متنها من 150 إلى 270 راكبا لثقل وزنها”. وكانت طائرة تابعة لشركة “فيرجين أتلانتيك”، قد قامت بالفعل بأول رحلة تجريبية بوقود مصنوع من مصادر حيوية ممزوج بالكيروسين التقليدي في فبراير عام 2008، كما تُجري الخطوط الجوية الألمانية “لوفتهانزا” أيضا تجارب على بدائل وقود يتم مزجها بالكيروسين منذ عام 2011.
لكن شركة “لوفتهانزا” أدركت منذ فترة عدم كفاية المساحات الزراعية لإنتاج الأغذية الضرورية للبشر، وفي ذات الوقت تلبية الحاجة المتنامية لقطاع الطيران الآخذ في الاتساع من الوقود الحيوي. ولذلك اتفقت الشركة مع مصنع “هايده” لتكرير الوقود، في إطار مشروع بحثي تحت رعاية جامعة بريمن مدعوم من الحكومة الألمانية بأربعة مليارات يورو، للاستفادة من الكهرباء المولدة باستخدام طاقة الرياح لإنتاج الكيروسين الصناعي، على أن تنطلق أول منشأة رائدة في هذا المجال أواخر عام 2023.
ولا تقتصر جهود العلماء في بحثهم عن بدائل للطاقة على الشمس والهيدروجين، فطاقة الرياح وفرت للمرة الأولى أكثر من نصف كهرباء المملكة المتحدة. وتأتي الأخبار المشجعة هذه قبل قمة “سي.أو.بي 26” العالمية بشأن تغيرات المناخ، والتي ستعقدها الأمم المتحدة في مدينة غلاسكو الإسكتلندية.
صحيفة العرب