يعرض المتحف البيزنطي المسيحي في العاصمة اليونانية أثينا نماذج من فنون تجليد الكتب تمتد من القرن الحادي عشر حتى اليوم، وذلك في إطار برنامج أوروبي تشترك فيه ست دول أوروبية يركز على دراسة فن التجليد في العهد البيزنطي وما بعده، بهدف حفز الحوار العلمي في هذا الموضوع.
وجاءت الكتب المعروضة من عدة مؤسسات ثقافية في أثينا، وبينها مؤسسة أونانسيس والمؤسسة اليونانية للتجليد وبينها مؤلفات كتبت بخط اليد، وترافق الكتب مادة مسموعة ومرئية للاستزادة في الشرح بشأن نفس الموضوع.
ويعتبر المعرض فن التجليد مصدرا من مصادر معرفة التاريخ والاقتصاد والسياسة والتيارات المعرفية والفنية السائدة في تلك العصور، فالغلاف الفخم كان يدلّ على ثراء وقوة الإمبراطورية البيزنطية والكنيسة، كما كانت الرسوم التي تزين الغلاف تعالج قضايا دينية واجتماعية تهمّ المجتمع البيزنطي في تلك الفترة، مثل الصراع بشأن الصور الدينية.
الكتب القيمة، ولا سيما الدينية منها، كانت تجلّد بالحرير المطلي بالذهب أو بالفضة، وتزين بالحجارة الكريمة وترسم على الغلاف صور لتنين طائر أو نسر برأسين، وكان يراعى في الغلاف أن يكون سميكا بحيث يحفظ الكتاب من الحرارة والرطوبة، كما يراعى في الزوايا وضع أربع زوائد معدنية بحيث تحميه من الصدمات والاحتكاكات.
ويقول القائمون على المعرض إن فنيين بيزنطيين نقلوا حرفة التجليد بعد سقوط القسطنطينية بيد العثمانيين إلى أوروبا وجزيرة كريت التي كان يحكمها الجنويون، ثم تراجع فن التجليد لعدة قرون، ليزدهر من جديد في القرن التاسع عشر على أسس أوروبية هذه المرة.
المعرض الذي يستمر حتى نهاية السنة الجارية، يضم إضافة إلى الكتب المجلدة أدوات لتجليد الكتب تعود للقرن التاسع عشر، ونماذج من المواد المستعملة في التجليد.
وتوضح مديرة المتحف والمسؤولة العلمية عن المعرض أناستاسيا لازاريذي أن فن التجليد البيزنطي كانت له ملامح خاصة مثل الرؤوس العالية والزينة المعروفة التي تصور الحيوانات الأسطورية كالتنين والنسور ذات الرأسين وغيرها، دون الالتزام بلون أو حجم معين.
وأضافت في تصريح للجزيرة نت أن تأثير التجليد البيزنطي استمرّ يظهر على هذه الصناعة خلال القرون التالية، ويبدو ذلك في الكتب التي خرجت من جزيرة كريت خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر، كما ظهرت تأثيراتها فيما بعد على التجليد في أوروبا بأشكال متفاوتة.
وتقول لازاريذي إن صناعة التجليد البيزنطي دخلتها مؤثرات من فن التجليد عند المسلمين في الشرق، ومنها بعض الزخرفات الإسلامية المشهورة التي زينت الكتب البيزنطية، كما أن منها الأداة التي توضع في وسط الكتاب لمعرفة أين وصل القارئ في تصفحه للكتاب، مضيفة أنه من البديع في عالم الفن أن نتحدث اليوم عن زخرفات إسلامية تزين الكتب الدينية الأرثوذكسية.
وأضافت أن هذه التأثيرات الإسلامية استمرت فترة طويلة، ثم حلّ مكانها تصويرات أرثوذكسية مثل صلب المسيح ويوم القيامة، ولكن المحيط بقي مزينا برسومات إسلامية، وهذا لم يعد بالضرورة في الكتب الدينية وحدها، بل امتد إلى الكتب الأخرى.
وتشير لازاريذي إلى أن هذه الرسومات والإيحاءات تظهر اليوم إلى أي مدى كانت قوة التأثير بين التيارات الفنية والثقافية في العصر البيزنطي بين الشرق والغرب.
من جهته يؤكد رئيس المؤسسة اليونانية للتجليد بابيس ليغاس للجزيرة نت أنه منذ عام 1750م تقريبا وفي نطاق ثورة التنوير الأوروبية، هُجر فن التجليد البيزنطي واستُعملت فنون أوروبية حديثة، والذي بقي اليوم في اليونان هو مزيج من العناصر اليونانية والعناصر الغربية.
وأوضح أنه لا تزال هناك بعض الورش التي لا تزال تعمل بالطريقة البيزنطية لكن لصيانة الكتب القديمة فقط، أما الكتب الحديثة فلا يمكن تجليدها بالطريقة البيزنطية لأنها كتب خفيفة الوزن ولا تتحمل تلك التقنيات والمواد الكثيرة التي تجعل من الكتاب سميكا وثقيل الوزن، فيما كانت الكتب البيزنطية كبيرة الحجم مقارنة بكتب اليوم، كما كانت لها زوايا مرتفعة بحيث لم يكن ممكنا وضعها في المكتبة في وضعية قائمة.
ب ع /الجزيرة