يستعرض الكتاب أثر ظاهرة العولمة على الهند: سياساتها واقتصادها وحياة شعوبها، ويستمد أهميته من كون الهند صديقاً وجاراً في آسيا، كما أن الهند دولة تشاركنا تاريخاً من التراث والتجارب الحياتية في الماضي، وتربطنا وشعوبها آصرة التنمية المستدامة والتطلع إلى مستقبل أفضل. وتزيد قيمة هذا الكتاب باعتبار أن مؤلفه مفكر هندي، وهو البروفيسور بلديف راج نايار، أستاذ الاقتصاد في جامعة «مكغيل» في كندا، واختار لكتابه العنوان التالي: العولمة والتكامل (الدمج) الاقتصادي للهند.
ويشرح الكتاب الكثير من القضايا في الخضم، خاصة في ضوء التحديات التي برزت في تسعينيات القرن الماضي، إذ حلّت لتحدد ختام القرن العشرين بكل آلامه وصراعاته وأيضاً بكل تطلعاته ومنجزاته، من هذه المنجزات ما أصبح يطلق عليه المصطلح التالي.
وهذا المصطلح يعني بداهة أنه لم يعد ثمة مكان ولا مبرر لعزلة الدول عما يجرى في بقاع أخرى مجاورة أو قصية من خريطة العالم، خاصة بعد أن أصبحت ثورة الاتصال وانتفاضة الحواسيب وظاهرة تكنولوجيا المعلومات أمراً مقضيّاً وأوضاعاً حالّة كما نقول (بتشديد اللام).
وبرغم أن العولمة اجتازت على مدى 15 عاماً أو نحوها جسوراً من الأخذ والرد، والقبول والتسليم، أو الرفض والتشكيك، فإن السنوات السبع الأولى من هذه الألفية الثالثة بدأت في إقناع الأطراف المختلفة بأن العولمة كادت أن تصبح أمراً واقعاً في حياة سكان هذا الكوكب.
ثم جاءت سنة 2008 لتؤكد هذه الحقيقة برغم أنه كان تأكيداً يستند إلى أسس سلبية، وتمثلت في الأزمة المالية – الاقتصادية التي ألمّت بعالم تلك الفترة، وتجلت بداياتها، ثم أجلى مظاهرها المدمرة، فيما شهده عالم المال والأعمال في «وول ستريت» نيويورك من حالات الانهيار، بل الإفلاس الذي أصيب به عدد من البيوت المالية الكبرى في الولايات المتحدة.
وساعتها بدأت التساؤلات تثور حول العولمة وآثارها بين السلب والإيجاب، ومعها تساؤلات مصاحبة كان من بينها ما إذا كانت ظاهرة العولمة يمكن أن تؤدي إلى تفكك أواصر النظم الاقتصادية في هذه المنطقة أو تلك من العالم، ثم صاحبت هذه الطروحات تساؤلات أخرى بشأن تأثير العولمة في واقع الأداء الاقتصادي وتطور السياسات الاقتصادية.
وخاصة في الأقطار التي ما زالت تندرج ضمن الفئات الآخذة في النمو والمتطلعة بالتالي إلى أشواط جديدة تقطعها نحو تطوير اقتصادها، وتحقيق غايات شعوبها في التقدم وبناء المستقبل.
جاءت الفصول العشرة التي يتألف منها هذا الكتاب لتلقي نظرة أكاديمية فاحصة على الحال الهندية من منظور ما استجّد على البلد الآسيوي الكبير من تطورات في مضمار التنمية بالذات، ومع تحّول ظاهرة العولمة إلى حيث باتت عاملاً مهيمناً على اقتصاد العالم، بل على سائر أحواله بشكل عام.
وفي الفصول الثلاثة الأولى من كتابنا، يدرس المؤلف أثر العولمة على الأداء الاقتصادي في الهند من ناحية تخطيط السياسة وعمليات الأداء والتنفيذ، ثم يرصد في الفصول الثلاثة الأخرى التي تليها (4و5و6) ما شهدته الهند في السنوات الأخيرة من عمليات إصلاح في النظم الضريبية .
ومن حالات الاهتمام العميق الذي تم إيلاؤه لنظم تمويل المشاريع الإنمائية، أما الفصول الثلاثة الأخيرة (من7 إلى 10)، فتشمل دراسة تحليلية لما يطلق عليه المؤلف العنوان التالي: «وضعية السوق بعد (إجراءات) التحرير الاقتصادي».
ويعرض هذا القسم الأخير من كتابنا لقضايا جوهرية ومتنوعة، ما بين التحولات التي طرأت على التجارة وعلى نشاط الاستثمار، ويختم مقولات الكتاب بدراسة عن الاقتصاد والهجرة على نحو ما يقول عنوان الفصل العاشر.
وفي كل حال، يكاد كتابنا يتفرد بإيضاح أن العولمة أدت إلى المزيد من ظاهرة وإجراءات التقارب والتكامل والتدامج بين الولايات التي تشكّل الكيان الفيدرالي في الدولة الهندية، خاصة في ظل ما استجد أيضاً من الأخذ بالمبادئ والإجراءات اللبرالية في تحرير الاقتصاد.
وقد انطوت بالذات على إصلاح وترشيد النظم الضريبية، وتأكيد أهمية إيجاد سوق مشتركة على المستوى القومي الجامع في الهند، مع إيلاء اهتمام خاص، على نحو ما يشدد عليه مؤلف الكتاب بالنسبة إلى العنصر الذي يطلق عليه الوصف التالي: الشمول الاجتماعي، ويعني بداهةً إيلاء الاهتمام الواجب بالطبقات الفقيرة والفئات التي طالما عانت، وربما لا تزال تعاني عوامل الاستضعاف والحرمان والتهميش.
ويذهب المؤلف أيضاً إلى أن ما دفعت إليه أو حثت عليه تيارات العولمة من توسيع آفاق السوق الاقتصادي، أدى بدوره إلى ثمار إيجابية، كما ارتآها البروفيسور نايار، من حيث توسيع آفاق النشاط التجاري، والمزيد من نشر الصناعات بكل ما تكفله بداهة من فرص العمالة البناءة والمنتجة، مع التشجيع على عمليات الهجرة وأنشطة النزوح فيما بين الولايات التي تشكّل قوام الكيان الهندي في التحليل الأخير.
وبكل حال، تأتي هذه النوعية من الكتب لتشكل إضافة إيجابية جديدة إلى مقولات العولمة، من خلال تبديد الخشية من أن تؤدي الظاهرة الكوكبية المذكورة إلى تقزيم الاقتصادات الوطنية أو إلى تعطيل مسيرتها نحو تحقيق الأهداف المنشودة في مضمار التنمية المستدامة.
فيما توضح من خلال التحليل العلمي، ثم بواسطة الدليل المستقى عملياً من الميدان – الهندي في حالة كتابنا الراهن – أن الارتباط بالعولمة والإفادة من ديناميات حركتها أمران لا يضران بصحة الاقتصاد القومي، بل إنه يدفع مسير هذا الاقتصاد إلى الأمام، خاصة ما يتعلق بآفاق النهوض التصنيعي، وتشجيع الحراك الفئوي والجهوي والطبقي داخل هذا البلد أو ذاك من أقطار العالم.
البيان