يوضح كتاب «ثقافات الفكر البيئي»، لمؤلفه ستيف بيرلي، قوة وأغراض التحليل التجريبي في علم الاجتماع البيئي، وهو يقدم العلاج لتلك الهيمنة الحاصلة للنزاعات النظرية المجردة في العمل السوسيولوجي حول الطبيعة والبيئة. وعلى الرغم من وجود أوجه شبه عديدة بين الحركة البيئية وغيرها من الحركات، فإنه يضعنا أمام أوجه شبه تتميز بها الحركة البيئية..
وهي: علاقتها الحميمة بالعلوم، ادعاؤها العملي بالتضامن الدولي، قدرتها على تقديم نقد منسق وبديل للصناعية الرأسمالية، وإنّ لسياسة «الخضر» أشياءها الخاصة التي تحتويها وأشياءها التي تستبعدها. فالتنافس شديد بين قياديي أنصار البيئة، وهم ينؤون بأنفسهم عن سياسة الأخضر الداكن، وهو بالشيء الكثير في حركة يكون لها ترابط عملي يبدو أنه يتضمن أشياء تحتويها وأشياء تستبعدها.
ثمة أشياء سوسيولوجية تدعو للريبة بخصوص مقدرة هدف عالمي أن يكون نواة لاحتجاج أو حملات عالمية مستدامة. لذلك فمن سخرية القول ألا يكون «المذنبون» العالميون بحقّ البيئة مناسبة توحد العمل البيئي العالمي الذي يمكن للمرء أن يتوقعه، بصرف النظر عن القيمة الخطابية العليا، فربما تصبح «الصراعات» ضد أعداء عالميين أمراً رمزياً، ولكن من العسير للمرء أن يقنع بفائدتها من الحملات في السنوات الأخيرة.
ويوضح المؤلف أنه ينبغي لنا أن نقارن بين المؤسسات البيئية الأميركية ونظيرتها في المملكة المتحدة، فهذه الأخيرة عالية الكفاءات العلمية لكنها لا تملك الكفاءات القانونية كما يجب، ولو أنها اعتمدت مقاربة الأسلوب الأميركي لكانت أفضل خطأ في هذه القضية.
إنّ الخبرة العلمية ذات أهمية حيوية عند الجماعات البيئية وأنصار حماية الطبيعة، فهي تهيئ لهم الوسيلة الممتازة للحصول على الدخل .. لهذا تجد المنظمات البيئية نفسها في موقف صعب، أمام هذه الثروة الهائلة من القدرات العلمية..
وهي تريد أن تسوق هذه المهارات لتضمن القيام بعمل جيد وصديق للطبيعة. وتريد أن تتقدم باعتراضاتها وأن تتصرف على أنها جماعات ضغط في هذه القضايا أيضاً، هذه هي المعضلة الحادة، ففي مثل هذه الأمور لا يتوالد عن المهارات الجيدة صفقات جيدة.
إن انتشار الحواسيب رخيصة الثمن وتوافر منتجات تجارية للنمذجة، يعجلان في انتشار نمذجة حاسوبية لتشمل المزيد من مظاهر السياسة العامة والتخطيط الشخصي..
فإنه يستحيل فهم الأسباب الداعية للاعتقاد بأنّ هذه النماذج دقيقة وأهل للثقة، وهنالك استنتاج آخر من هذه النتيجة وهو أنّ صنع نماذج مشروعة ومتينة، يقتضي من الهيئات أن تضع خطة للاستثارة والمشاركة، من أجل وضع الأهداف والقيم المعيارية للنموذج في مراحل مبكرة. ويبين المؤلف ان مشروعات الجمعيات العالمية المتخصصة، باتت تصطدم بحاجز ضعف تعاون الحكومات.
إنّ هذه العوامل «فلسفية وسوسيولوجية»، تسعف في توضيح لماذا تعاني حركة اجتماعية معينة لديها الدعم العلمي القوي من صعوبة كسب السلطات إلى جانبها وتحقيق تغيرات في السياسات..
وتجربة الإحباط هذه بدورها وعندما يفشل العلم في تقديم المنافع المتوقعة، تعزز موقف أنصار البيئة المتسم بالازدواجية الايديولوجية تجاه العلم ويشكل دافعاً لطلب مصادر بديلة للشرعية. إنّ التوتر الحاصل بين الاحترافية العلمية لتنظيمات الحركات ومتابعة اختفاء الشرعية السياسية والفلسفية الأكثر شمولاً مقدر له أن يستمر.
هذه الدراسات في الكتاب، توضح قيمة علم الاجتماع البيئي بطريقتين: الطريقة الحسية الملموسة، والطريقة الحدسية. وعلم الاجتماع البيئي يعلمنا كيف تصنع القرارات الخاصة بالبيئة حالياً، ويشجعنا على التأمل بطريقة جديدة في طبيعة مستقبل البيئة، إن إهمال علم الاجتماع صار يعني أن تصورات مستقبل البيئة كانت في معظمها غير واقعية، ولم تكن في أي مكان قريب من «الكثافة» الكافية لفهم النسيج الاجتماعي للعيش المستدام.
البيان