“أقوى من الألماس في صلابتها وأكثر من النحاس في توصيلها للكهرباء ومطاطة بشكل يضاهي المطاط إنها مادة أطلق عليها العلماء المعجزة، فقد أبهرت خصائصها العاملين في مجال العلوم، فأطلقوا عليها اسم “مادة المعجزات”، انها مادة الغرافين المأخوذة من الكربون والتي قد تشكل ثورة في عالمنا، ونظراً لخواصها الاستثنائية يمكنها أن تبدل علوم الصناعة بالكامل، بدءا من صناعة الإلكترونيات البسيطة وصولاً لصناعة الطائرات، كما يمكنها تطوير الأجهزة الإلكترونية الأكثر تعقيدا، وصولا إلى صناعات المستقبل على غرار الملابس الإلكترونية، وأجهزة الكمبيوتر التي يمكن أن تتفاعل مع خلايا الجسم، كما يمكن استخدامها في صناعة الدواء والعلاج”
رغم اكتشافها قبل عقد من الزمن، بدأت الغرافين تثير الانتباه عام 2010 حين منح عالما فيزياء بجامعة مانشستر الإنجليزية جائزة “نوبل” بفضل أبحاثهما عن كيفية إنتاجها تجاريا، وفي عام 2012 قالت “الجمعية الكيميائية الأميركية” إن الغرافين أقوى مائتي مرة من الفولاذ، كما أنها بالغة الرقة إلى درجة أن أونصة واحدة منه يمكنها تغطية أرضية 28 ملعب كرة القدم.
منذ اكتشافها في بريطانيا تبهر مادة الغرافين العلماء، الذين يتوقعون أن تحدث ثورة في الصناعة في القرن الـ 21 تشبه ما حدث مع البلاستيك في القرن العشرين، رغم ذلك يشكك أوروبيون في مستقبلها ويخشى آخرون من المنافسة الصينية.
استضافت مدينة تولوز الفرنسية في شهر مايو/آيار الجاري مؤتمرا دوليا حول الغرافين، والغرافين لمن لا يعرفه هو مادة عجيبة تجمع بين الصلابة الشديدة وخفة الوزن الفائقة والشفافية فضلا عن قابلية للبسط إلى حد بالغ الدقة، وهو ما قد يمكن تلك المادة التي اكتشفت في بريطانيا من تغيير كثير من مناحي الحياة البشرية.
الفيزيائي الفرنسي ألبرت فيرت، الحائز على جائزة نوبل عام 2007، مقتنع بقدرات الغرافين ويقول “هناك أشياء كثيرة في الفيزياء تثير إعجابي، لكن الغرافين مثير جدا للإعجاب وبعد مؤتمر تولوز ازداد إعجابي به.”
ونظرا لرقته الشديدة ومتانته يصلح الغرافين لصناعة الطائرات، فالمواد الخفيفة تقلل من الاستهلاك وتعمر أطول، ويمكن أن يمثل الغرافين مستقبل صناعة الطائرات، وكما اكتسح البلاستيك عالم الصناعة في خمسينات القرن العشرين ينتظر العلماء نفس الأمر من الغرافين في القرن الحادي والعشرين.
لكن هناك من يشكك في ذلك ويرى رولاند ثيفينين من شركة آيرباص لصناعة الطائرات أن الغرافين مازال الآن في مرحلة بدايته المبكرة، وربما يكون جيدا للعقود القادمة لكن من السابق لأوانه التكهن بمستقبل تلك المادة، وقال ثيفينين على هامش مؤتمر تولوز “أعرف أن العلماء يرون الغرافين مادة واعدة جدا، لكن ذلك لا يكفي بالنسبة لأعمالنا، فعندما نريد استخدام تكنولوجيا جديدة في الطائرات، لا بد أن تكون هذه المادة متوفرة لما يقرب من عشر سنوات قبل استخدامها.”
بيد أن هذا لا يغير شيئا في الاهتمام الكبير بالغرافين، فقد جمع جاري كيناريت أستاذ الفيزياء بجامعة تشالمرز التقنية في غوتيبورغ بالسويد مبلغ مليار يورو لصالح مبادرة أبحاث الغرافين الأوروبية “Graphene Flagship”، ويريد كيناريت أن يجمع بين العلماء ورجال الأعمال، وينبه إلى المنافسة القادمة من الصين، التي بدأت مؤخرا استثمار الكثير من الأموال في الغرافين، ويقول “عندما ننظر مثلا إلى طلبات براءات الاختراع، نجد الكثير منها قادما من الصين، وهناك الكثير من المقالات المنشورة من قبل الباحثين الصينيين، لذلك من حيث الكمية فهي جيدة جدا، لكن ليست كلها ذات جودة عالية جدا”
ويهدد عرض محتمل قيمته 100 مليار دولار من شركة الأدوية الأمريكية العملاقة فايزر للاستحواذ على منافستها البريطانية الأصغر أسترا زينيكا بتغيير المشهد في قطاع آخر، طالما برزت فيه الخبرات العلمية البريطانية وهو الصناعات الدوائية.
كما أعلنت شركة “سامسونغ” للإلكترونيات في وقت سابق، أنها تمكنت من تطوير استخدام المادة “السحرية” لاستخدامها مستقبلا بصناعة شاشات مرنة، وأجهزة إلكترونية حديثة، علما أن سامسونغ ليست وحدها المهتمة بتطوير منتجات تعتمد على الغرافين، إذ تجري شركات عملاقة مثل “إي بي إم”، و”نوكيا”، و”سانديسك” أبحاثا لاستخدامها بأغراض متعددة.
ويؤكد علماء أنه سيتم استخدام هذه المادة في صناعة الشاشات والهواتف الرقيقة ذات سمك الورقة والتي يمكن طيها، وفي صناعة أجهزة إلكترونية أسرع وأرخص وأكثر رقة من تلك التي تعتمد على السيليكون، فضلا عن أنها ستكون شفافة ومرنة، كما أنها ستزود ببطاريات طويلة العمر، تتحمل حتى أن يتم غمرها في الماء، ففي عام 2011 ابتكر علماء جامعة “نورثويسترن” الأميركية بطارية صنعت باستخدام الغرافين والسيليكون، يمكن أن تبقى مشحونة لأكثر من أسبوع، ويعاد شحنها في 15 دقيقة فقط، كما يمكن بناء عمارات وابراج باستخدامها نظراً لخفيفة وزنها، وعندما تستخدم في صناعة الكمبيوتر تصبح الأجهزة أسرع وأكثر قوة، لكن حتى يغزو الغرافين العالم لا تزال هناك حاجة لكثير من الأبحاث اللازمة والعديد من المؤتمرات الهامة.
وسيتم افتتاح المعهد الوطني للغرافين بتكلفة 100 مليون دولار وبدعم من الحكومة العام القادم في مانشستر بهدف وضع بريطانيا في قلب ثورة الغرافين التي تنعقد عليها آمال كبيرة، ويتبنى مدير الأعمال بالمعهد جيمس بيكر رؤية تقوم على تحويل مانشستر إلى “مدينة غرافين” أي مركز على غرار وادي السليكون ليصبح المكان المرغوب لكل من يعمل في مجال هذه المادة العجيبة.