يعتبر العلماء غاز الميثان المحفز الرئيسي للاحتباس الحراري، منوهين إلى تضاعف كمياته في غلاف الأرض الجوي منذ عام ،1750 فمن أين يأتي الميثان؟
بحسب بحث أجراه اختصاصي كيمياء الغلاف الجوي في معهد كاليفورنيا للتقنية، بول وينبرغ، ففقدان الغاز الطبيعي (أنظف مصادر الوقود الحيوي) في الغلاف الجوي يشكل مصدراً غنياً للميثان يفوق توقعات العلماء من قبل.
وبحسب الاختصاصيين، ترتفع حرارة الأرض بالإشعاع الشمسي ثم ترتد سخونتها إلى الغلاف الجوي، وتحتجز الغازات الدفيئة جزءاً من هذه الحرارة، وتضمن هذه العملية استمرارية حياة الكائنات الحية على الأرض، بمن فيهم الإنسان، الذي لا يستطيع تحمل درجات الحرارة المنخفضة التي يمكن أن تتعرض لها الأرض لولا عباءة الغازات الدفيئة.
بيد أن تزايد الغازات الدفيئة منذ الثورة الصناعية تسبب في تغيرات مناخية، فتغيرت تباعاً أنماط المناخ، وارتفع مستوى البحر . ويعد ثاني أكسيد الكربون الغاز المتسيد لغلاف الأرض الجوي، بيد أن ذلك لا يعني بالضرورة عدم وجود غازات أخرى، من بينها الميثان.
ويرى اختصاصيو الغازات الدفيئة الميثان عدواً من نوع خاص لما له من آثار مدمرة على غلاف الأرض الجوي، فمثل غيره من الغازات الدفيئة، يحجز مباشرة إشعاع الأرض في الغلاف الجوي، ومن ناحية أخرى، عندما يتأكسد في الغلاف الجوي يتكسر إلى ثاني أكسيد الكربون وأوزون، وهي ذاتها غازات دفيئة . ومن ناحية ثالثة، فتكسر الميثان في الغلاف الجوي للأرض ينتج بخار الماء الذي يسلك أيضاً مسلك الغازات الدفيئة، وتتسبب الرطوبة الزائدة، بخاصة في الغلاف الجوي الجاف حيث يتأكسد 10 في المئة من الميثان، في زيادة التغير المناخي الناتج عن الغازات الدفيئة.
وبحسب التقديرات، فإن ثلث قدرة الغلاف الجوي على احتباس إشعاع الشمس منذ عام 1750 حدثت بسبب وجود الميثان بآثاره المتنوعة، ولما كانت هناك مصادر متعددة للميثان في الغلاف الجوي، منها مقالب القمامة، والأراضي الرطبة، ومعالجات البترول، يصعب تحديد المتهم الأكثر إضراراً بالغلاف الجوي، بيد أنه بحسب بول وينبرغ، ربما يوجد مصدر للميثان، على الأقل في حوض لوس أنجلوس، مسؤولاً عن انبعاثات هذا الغاز وتسرباته من خطوط إمداد الغاز الطبيعي.
ويرى وينبرغ أن نتائج بحثه كانت مفاجأة، وفي دراسة تقديرية في ،2008 حلل فريقه قياسات من التروبوسفير، أكثر مناطق الغلاف الجوي انخفاضاً، عبر طائرة حلقت على ارتفاع أقل من ميل فوق أرض حوض لوس أنجلوس، وبتحليل البصمة الكيميائية للعناصر الأولية، اكتشف وينبرغ وفريقه أن خواص البصمة تشبه خواص الغاز الطبيعي . ومن الطبيعي أن الميثان من مصادر الوقود الحفري يكون مصحوباً بغاز الإيثان، ثاني أهم مكون في الغاز الطبيعي، في حين أن المصدر الإحيائي للميثان (مثل المواشي وفضلات المياه) لا يكون مصحوباً به.
ووجد الباحثون أن نسبة الميثان والإيثان في عينات الهواء في لوس انجلوس تميزت بخواص عينات الغاز الطبيعي التي أمدوها بها شركة جنوب كاليفورنيا للغاز، المزود الأكبر للغاز الطبيعي في المنطقة.
وتردد وينبرغ في تقرير أن تسرب الغاز الطبيعي هو المصدر الأساسي لميثان لوس أنجلوس، بيد أنه متأكد أن مصدر الميثان والإيثان انبعاثات الغاز الطبيعي، لكنه ليس المصدر الوحيد، ولا يزال فريقه ينقب عن البترول في لوس أنجلوس، وتتضمن عمليات التنقيب اكتشاف غاز طبيعي يحوي ميثاناً أيضاً.
وهدفت نتائج أبحاث وينبرغ وفريقه إلى مزيد من الدراسة الشاملة للغازات الدفيئة في المواقع الحضرية، ضمن مشروع “كربون المدن الكبرى” في مختبر الدفع النفاث (JPL)، يهدف المشروع الذي يركز أساساً على القياسات الأرضية في لوس أنجلوس وباريس إلى تحديد كميات الغازات الدفيئة في مدن العالم الكبرى، باعتبار أن مدن مثل هونغ كونغ، وبرلين، وجاكرتا، وجوهانسبرغ، وسيؤول، وساو باولو، وطوكيو مسؤولة عن أكثر من 75% من الانبعاثات الكربونية، على الرغم من أن مساحتها لا تتجاوز 3% من كتلة اليابسة.
وتوثيق أنواع ومصادر الغازات الدفيئة في المدن الكبيرة سوف يوفر قياسات مهمة يمكن استغلالها في محاولات خفض انبعاثات هذه الغازات . وإذا تطابقت نتائج مشروع الكربون مع نتائج دراسة وينبرغ للغاز في لوس أنجلوس، ربما يثبت أن الغاز الطبيعي هو الحل المأمول لإنتاج وقود أخضر نظيف، إذ إن انبعاثاته نظيفة وأعلى كفاءة من الفحم، بيد أنه مع استمرار التغير المناخي، فإن طرق استخلاصه وتوزيعه هي العامل الأهم، فلابد من التنقيب عنه، ووضعه في أنابيب، وحرقه من دون فقدان كميات كبيرة، وإلا فلن تكون هناك الفائدة المرجوة منه، بحسب وينبرغ.
نشرت دراسة وينبرغ في مقال في مجلة “علوم البيئة والتكنولوجيا” تحت عنوان ” حول مصادر الميثان في أجواء لوس أنجلوس”.
أشرف مرحلي – الخليج