لا تصل الموجات الصوتية إلى آذاننا دائما بشكل مباشر، فهي أحيانا ترتد عن الأجسام والجدران في المكان الذي نحن فيه، مما يسبب انعكاسها وعودتها إلى نقطة انطلاقها، لذلك فإن الاستماع إلى عزف فرقة في مسرح يعد تجربة مختلفة عنها في نادٍ صغير. إلا أنه في بعض التطبيقات قد يتحتم “إخفاء” تأثير الأجسام على الموجات الصوتية، وقد تمت تجربة هذه الفكرة سابقا مع ما يُعرف بالمواد الخارقة، المصممة لامتصاص جميع الموجات الصوتية عند وصولها إلى السطح، ومع ذلك فإن هذا نهج سلبي وغير عملي، ويعمل فقط عبر نطاق محدود من الترددات.
تقنية جديدة لإخفاء الأجسام
في الوقت الحالي، قام علماء بتطوير تقنية جديدة لإخفاء الأجسام صوتيا، حيث تستخدم حلقة خارجية من الميكروفونات (تستخدم لتكون مستشعرات صوتية) وحلقة داخلية من مكبرات الصوت (تستخدم لتكون مصادر صوتية)، وعبر تحليل الموجات الصوتية التي تلتقطها الميكروفونات، يوجه الحاسوب السماعات لضبط المجال الصوتي على الفور بحيث يتصرف كما لو أن الجسم لم يكن موجودًا. يوضح الباحثون في الورقة البحثية -المنشورة في دورية “ساينس أدفانسيس” (Science Advances) في العاشر من سبتمبر الجاري- أن “هذا الاكتشاف يفتح اتجاهات بحثية لم يكن من الممكن الوصول إليها سابقا، ويسهّل التطبيقات العملية بما في ذلك السمعيات المعمارية والتعليم وتقنية التخفي”.
يذكر موقع “ساينس ألرت” (Science Alert) -في تقرير نشر يوم 14 سبتمبر الجاري- أن فكرة إخفاء تأثير الأجسام صوتيًا ليست جديدة في حد ذاتها، وأنه مع هذا النهج الجديد “الآني”، هناك كثير من التنوع في جعل تأثير الأجسام يختفي، ويمكن أن يعمل في الاتجاه العكسي أيضًا، لجعل الأمر يبدو كما لو أن جسما غير موجود يشغل مساحة في الغرفة (الهولوغرافي). في حين تضمن ما تسمى “مصفوفة البوابات المنطقية القابلة للبرمجة” (FPGAs) -وهي دوائر مدمجة يمكن ترميزها حسب الحاجة- أن مخرجات مصدر الصوت قادرة على الاستجابة لمخرجات مكبرات الصوت من دون أي تأخير.
تقنيات أحدث وتطبيقات أوسع
حتى الآن، تمكن الباحثون من تشغيل نظامهم للأجسام الثنائية الأبعاد التي يصل حجمها إلى 12 سم، ومع مزيد من الدراسة يتوقع الفريق أن يكون قادرًا على توسيع نطاق التقنيات للعمل مع أجسام ثلاثية الأبعاد التي يمكن أن يكون حجمها أكبر بكثير، وعلاوة على ذلك فهي تعمل بالفعل عبر نطاق تردد واسع. يقول عالم الجيوفيزياء يوهان روبرتسون من “المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيورخ” (ETH Zurich) في بيان نشر على موقع المعهد “تتيح لنا تقنيتنا معالجة المجال الصوتي على مدى تردد يزيد على 3 ونصف أوكتافات”.
يمكن استخدام التقنية بشكل جيد في أي مجال يتم فيه تسجيل الموجات الصوتية وتحليلها، التي تغطي مجموعة كاملة من التطبيقات العلمية، مثل دراسة البنية التحتية. وعلاوة على ذلك، يأمل الباحثون في الحصول على نظام مثل هذا يعمل تحت الماء أيضا، حيث تختلف الصوتيات بشكل كبير -فمرة أخرى- يمكن تحقيق الاستفادة لأي نوع من عمليات مسح الموجات الصوتية حيث يلزم إخفاء الأجسام الموجودة أو وضع أجسام افتراضية.
هذا البحث الجديد هو دليل آخر على الصبر المذهل للعديد من العلماء أيضًا، حيث تم تطوير الأساس الأولي للعباءة الصوتية منذ سنوات عديدة، كما يوضح عالم الجيولوجيا الحسابية أندرو كيرتس من “جامعة أدنبره” (University of Edinburgh) في المملكة المتحدة. ويضيف كيرتس “بدأ هذا التعاون قبل 15 عاما عندما تم تطوير النظرية الأساسية، التي توضح الطبيعة طويلة المدى للمشاريع العلمية”.
الجزيرة