يشكل العلاج بالخلايا الجذعية ثورة طبية في علاج كثير من الأمراض، وهي نقلة من عهد زراعة الأعضاء إلى عهد جديد يتم فيه استبدال العضو المصاب بعضو آخر جديد كلياً مستنبت من الخلية الجذعية الأصل ما يعني تقليص أعداد المتبرعين حيث يعتبر الحصول على متبرع من أكبر التحديات التي تواجه المريض.
تشكل الخلايا الجذعية أساس جميع الأعضاء والأنسجة بالجسم، ويوجد منها عدة أنواع بحسب مكان تواجدها بالجسم أو بحسب المرحلة العمرية التي تشكلت فيها تلك الخلايا؛ وتتميز الخلايا الجذعية بتجديد نفسها (استنساخ نفسها)، كما أن لها المقدرة على أن تتمايز وتتخصص في عملها.
يعرف «خط الخلايا الجذعية» بأنه مجموعة من الخلايا التي تكونت من الخلية الجذعية الأصلية – عن طريق الاستنبات بالمختبر- وتستمر تلك الخلايا بالنمو ولكن من دون أن تتمايز إلى خلايا متخصصة، ولكنها تبقى خالية من الخلل الجيني مع استمرارها في إنشاء المزيد من الخلايا الجذعية، ويتم بعد ذلك أخذ كتلة من خط الخلايا تلك وتجمد للتخزين ليستفاد منها بعد ذلك في الأبحاث وغيرها.
أنواع الخلايا الجذعية:
الخلايا الجذعية الجنينية: يتم الحصول عليها من الكتلة الخلوية الداخلية «للكيسة الأريمية الباكرة»، وهي كرة مجوفة من الخلايا تتكون بعد 3-5 أيام من تلقيح البويضة، وتكون بحجم رأس القلم الرفيع، وفي التطور الطبيعي للكتلة الخلوية تزداد أعداد الخلايا المتخصصة التي تكون الأنسجة والأعضاء، وهي خلايا محفزة مما يمكنها من تشكيل جميع أنواع الخلايا التي تكون الجسم ما عدا المشيمة والحبل السري، وتأتي أهميتها في مساعدة الأبحاث العلمية فيما يتعلق بالتطور الطبيعي، والأمراض، واختبار العلاجات.
الخلايا الجذعية البالغة: خلايا متخصصة لها المقدرة على تجديد جميع أنواع الخلايا بالأعضاء والأنسجة المختلفة، فعلى سبيل المثال تستطيع الخلايا الجذعية المكونة للدم الموجودة بالنخاع العظمي، أن تزيد أعداد خلايا الدم الحمراء والبيضاء والصفائح الدموية ولكنها لا تستطيع تجديد خلايا الكبد أو الرئتين أو الدماغ، والعكس صحيح فإن الخلايا الجذعية بأنسجة تلك الأعضاء لا تستطيع تجديد خلايا الدم المذكورة، وتحتوي بعض الأنسجة والأعضاء بالجسم على خلايا جذعية بالغة مختبئة وظيفتها تعويض الخلايا التي تفقدها الأنسجة خلال اليوم أو بسبب التعرض للجروح كتلك الخلايا الموجودة بالدم والجلد وبطانة الأمعاء، ويصعب الحصول على الخلايا البالغة من جسم الإنسان، كما أنها لا تجدد نفسها عند استنباتها بالمختبر بالسهولة نفسها كما تفعل الخلايا الجنينية.
العلاج بالخلايا الجذعية
يعرف كذلك بـ«الطب التجديدي»، وهو علاج يقوم على الاستجابة التعويضية للأنسجة التي تعرض للتلف بسبب المرض أو الخلل الوظيفي أو الجروح، وذلك بواسطة الخلايا الجذعية أو مشتقاتها، حيث يقوم العلماء باستنبات الخلايا الجذعية داخل المختبر والتي تتمايز إلى خلايا متخصصة من مختلف الأنواع مثل التي تكون القلب والعضلات وخلايا الدم والخلايا العصبية، ثم يتم بعد ذلك زرعها داخل جسم المريض، فعلى سبيل المثال يتم حقن الخلايا الجذعية التي تخصصت إلى خلايا كالتي تكون القلب، داخل عضلة قلب المريض فتقوم بإصلاح الخلل الموجود بداخل القلب، ووجد العلماء أن الخلايا البالغة بالنخاع العظمي التي تتخصص إلى خلايا شبيهة بخلايا القلب، بإمكانها إصلاح أنسجة القلب، وما زالت الأبحاث جارية؛ وطبق الأطباء ذلك النوع من العلاج والذي يعرف بـ«زراعة النخاع العظمي»، وتمكنت الخلايا الجذعية المزروعة من تعويض الخلايا التالفة في بعض الحالات نتيجة العلاج الكيميائي أو الإصابة بالأمراض وغيرهما من الحالات، واستخدم فيها الخلايا الجذعية البالغة أو دم الحبل السري، كما أن الباحثين يجربون الآن الخلايا البالغة لعلاج بعض الحالات بما فيها الأمراض التنكسية كفشل القلب.
يواجه العلاج بالخلايا الجذعية بعض الصعوبات، فحتى ينجح العلاج يجب أن يتم التأكد من أن تلك الخلايا المستنبتة سوف تتمايز إلى الخلايا ذات التخصص المطلوب، واكتشف العلماء بعض الطرق لذلك، ويحدث في بعض الأحيان أن يحفز زرع الخلايا الجذعية الجنينية الاستجابة المناعية فيقوم جسم المريض بمهاجمتها على أنها جسم غريب، كما أنها تفشل أحياناً في القيام بوظائفــــها ولا تعـــرف المضــاعفات الناتجة من ذلك؛ وفيما يلي بعض المعلومات عن الخلايا الجذعية، التي يجب الإلمام بها:
– لا يعني استخدام خلايا جذعية من المريض نفسه، أن تلك الخلايا آمنة خلال العلاج، فالمعتقد السائد هو أن الخلايا عندما تكون من جسم المريض نفسه فإن ذلك لا يحفز الاستجابة المناعية لديه فتكون بذلك في مأمن، والحقيقة هي أن تلك الخلايا تمر بمراحل عديدة قبل زرعها بالجسم مرة أخرى، كالطريقة التي تؤخذ بها من الجسم واستنباتها بعد ذلك وإعادتها مرة أخرى إلى الجسم، فربما يؤدي تواجدها خارج الجسم إلى تعرضها للتلوث الفيروسي أو البكتيري أو العدوى الأخرى فتعرض الجسم إلى الإصابة بالأمراض، كما يمكن أن تؤدي معالجتها بالمختبر إلى التأثير في وظيفتها الطبيعية ونموها، ويجب أن يكون حقنها بالمكان الصحيح داخل الجسم.
– يجب الإلمام الكامل بالحالة المرضية ومسبباتها حتى يتم اختيار الطريقة الصحيحة للعلاج، فإذا كان الشخص يعاني نوعاً محدداً من أنواع سرطان الدم فإن العلاج بالخلايا الجذعية المكونة للدم يفيد في تلك الحالة، أما في حالة مرض السكري يجب عدم استخدام تلك الخلايا حيث إن الخلل يوجد بالبنكرياس وليس بالدم.
– لا تصلح الخلايا الجذعية المتخصصة لأحد أنواع الأنسجة في استخدامها لنوع آخر، لذلك فلا يمكن علاج الأمراض التي تصيب أعضاء مختلفة من الجسم بالخلايا الجذعية نفسها.
– يحث العلاج بالخلايا الجذعية أحياناً على الإصابة ببعض الأمراض، فتلك الخلايا تلعب دوراً كبيراً في حدوث الأورام والإصابة بأمراض السرطان.
دراسة حديثة
قام باحثون من جامعة كاليفورنيا – سان دييغو مع آخرين من اليابان وغيرها، بتجربة مدى فائدة تجديد الخلايا العصبية القشرية عن طريق الخلايا الجذعية، حيث وجد أن لها الآلية الداخلية المطلوبة في عملية التجديد، فقام الباحثون بإلحاق «الخلايا العصبية الأصل متعددة القدرات» بمناطق الجرح لدى الفئران التي عرضت لجروح العمود الفقري، فتطورت تلك الخلايا بشكل ناجح وعوضت الفاقد من الأنسجة وكونت «نقاط الاشتباك العصبي» فتمكنت الفئران من تحريك أطرافها الأمامية بطريقة أفضل عما كانت عليه في السابق، ويعلق أحد المشاركين بالبحث قائلاً إنها المرة الأولى التي تستخدم فيها الخلايا الجذعية العصبية للتعرف الى مدى إمكاناتها في دعم تجديد تلك الأنسجة والتي فشلت أنواع الخلايا الأخرى.
وجدت دراسة أخرى أن الخلايا الجذعية تساعد في علاج الجلوكوما وذلك عن طريق إنتاج خلايا العقدة الشبكية من الخلايا الجذعية المتحصل عليها من جلد الإنسان، والعقدة الشبكية هي الخلايا العصبية التي تنقل الإشارات من العين إلى الدماغ، ومن ناحية أخرى يقول الباحثون إن الطريقة العلاجية هذه يمكن أن تفيد في حالات الإصابات البصرية التي تتعرض لها بعض الفئات مثل الجنود والرياضيين.
ذكر علماء من جامعة تورنتو ومستشفى أوتاوا، أنه يمكن علاج هشاشة العظام التنكسي الناتج عن تقدم العمر وذلك بحقن الخلايا الجذعية الوسيطة – أحد أنواع الخلايا الجذعية البالغة – وتوصلوا إلى ذلك من خلال حقن الفئران التي عرضت للمرض بتلك الخلايا والتي لها المقدرة على الانقسام والتمايز إلى جميع التخصصات الخليوية حيث وجد أن لها المقدرة على أن تصبح خلايا عظمية، كما أن لها ميزة أخرى وهي إمكانية أخذها من شخص وزرعها بجسم المريض من دون الحاجة إلى إجراءات لتعديل ملاءمتها كالحاجة مثلاً إلى نقل ضغط الدم ولا يرفضها جسم المريض؛ وبعد مرور 6 أشهر من حقن تلك الفئران تحسنت حالة العظام المتضررة لديها بصورة ملحوظة وقامت بوظائفها، كما التأم النسيج الداخلي بها والذي يشبه الشعب المرجانية، وهو أكثر الأجزاء العظمية الذي يتأثر بهشاشة العظام؛ ويقول العلماء إنه بإمكان جرعة واحدة من حقن الخلايا الجذعية أن يؤدي إلى تحسن الحالة لفترات طويلة، ويقولون إنهم سيقومون بمتابعة المرضى الذين خضعوا للعلاج وفحص عينات الدم لديهم لمتابعة نمو العظام ومدى ارتشافها، وذلك عن طريق العلامات الحيوية التي تظهر بالدم.
جريدة الخليج