لم تعد مهنة “العشابة” مقصورة على العطارين والعشابين في تلك الصورة التقليدية وهم يجوبون أزقة الأحياء الشعبية بـ”عيادات متنقلة” أو يتخذون من فضاءات الأسواق مركزا لعرض سلعهم وقدراتهم على علاج كل الآلام والأسقام أو اتخاذ محلات صغيرة اجتمع فيها من الأعشاب ما تفرق في غيرها، بل التحق بكوكبتهم ناس درسوا الأعشاب وخبروا أسرارها وجعلوا لها مختبرات ومراكز مجهزة بطريقة عصرية حتى تكون أكثر إقناعا للزبائن وتبث الطمأنينة في قلوبهم عندما يلجأون إلى هذا النوع من العلاج التقليدي.
ويعد الدكتور جمال بامي خبير الأعشاب الطبية والعطرية، الجامع في تكوينه بين الأبحاث الطبية الدقيقة، وأدوات البحث السوسيو- تاريخي والاجتماعي، الذي قال إن للمغرب مناطق لا تعرف للأطباء والمستوصفات وجود، وتبقى الصيدلية الوحيدة هي الطبيعة.
ونستنتج من خلال هذا الكلام أن خبير الأعشاب يعتبر أن المعطى الأساسي، هو أن العودة للعلاج الطبيعي هي عودة عالمية، والمغرب كجزء من هذا العالم، لديه تقليد عريق للأعشاب الطبية وحنين لكل ما هو طبيعي، تقليدي و تاريخي.
ويُعـرف المغرب بموروث غني من النباتات والأعشاب، جادت به رحم الطبيعة، واستفاد منه الأسلاف بجعله دواء لكل سقم استوطن أجسادهم وحرمهم طعم النوم أو الراحة. وقد عهدنا التداوي بالأعشاب قبل الانفتاح على الإعلام وتطورات السوق “الماركوتينغ”، من خلال وصفات الجدات وحلقات الأسواق الأسبوعية والمواسم المنعقدة بالقرى والبوادي ..
وفي ظل ما عرفته جميع المجالات من تطورات وتحديث، كان للطب الشعبي نصيب في ذلك، بفضل بعض القنوات الفضائية التي أصبحت تتنافس فيما بينها على عرض برامج جعلت من هذا النوع من الطب شعارا لها وتلك الملصقات والإشهارات التي يطالعونك بها أينما كنت سواء في الشارع أو في البيت، للتعريف بشركات أو مراكز أو معشبات تتناسل بين الفينة والأخرى مدعية قدرتها على علاج جملة من الأمراض المتداخلة الاختصاصات، معتمدة في تطبيبها على زيوت مستخلصة من نباتات طبيعية وعسل متنوع المصدر وتركيبات تستمد مكوناتها من كل ما تزخر به تربة هذا البلد من أعشاب بحرية وبرية ومواد طبيعية. إضافة إلى حصة المواقع الإلكترونية من هذا الاهتمام الكبير الذي بات يعرفه مجال الأعشاب واتساع شريحة المتعاطين له.
ويعتبر البعض أن الهروب إلى الأعشاب واعتمادها في العلاج، يكون بسبب ضعف الإمكانيات وعدم توفر الفئات ذات الدخل المحدود على تغطية صحية، تمكنها من اقتناء الأدوية الضرورية، بعيدا عن موجة الغلاء التي اجتاحت كل مستلزمات الحياة اليومية للمواطن المغربي.
وإذا كان غلاء الأدوية هو المشكل الاقتصادي لدى البعض، فإن الدافع الأساسي لدى ساكنة البوادي له علاقة بجغرافية البلاد، وهو ما يوضحه خبير الأعشاب الطبية كون أن للمغرب مناطق لا تعرف للأطباء والمستوصفات وجود، وتبقى الصيدلية الوحيدة هي الطبيعة والتي تساهم بشكل قوي في حماية المريض من عدة أمراض، مضيفا أنه قام بعدة دراسات نباتية اتنية خاصة في المجال القروي، فاتضح له من خلال هذه الدراسات أن تقريبا 80 بالمائة من ساكنة البادية يعالجون أنفسهم بالأعشاب الطبية.
ولا يمكن اعتبار أن اللجوء إلى هذا النوع من الطب البديل، يقتصر على فئة مجتمعية معينة، يعوزها المال لاقتناء الأدوية، بل رقعته تتسع لتشمل حتى الأسر الأكثر ثراء، وهو ما ربطه الخبير بمسألة الحنين إلى الطبيعة، ذلك المعطى التقليدي الذي ينطبق على الكل باختلاف الطبقة الاجتماعية. وأعطى المثال بالعودة للحناء ولزيت أركان ذات الصيت العالمي والغاسول الممزوج بالأعشاب، كونها مواد تقليدية مستخلصة من الطبيعة وأعيد إنتاجها بطريقة عصرية لتتوافق مع احتياجات الناس الحالية.
وإذا كان صيت الطب الشعبي مرتكزا على كونه آمنا، يعتمد على كل ما هو طبيعي وغير مضر بالصحة لأنه خالي من الكيماويات، فإن الجانب الآخر المظلم والخطير لهذه الأعشاب وهو بيعها بعد انتهاء صلاحيتها أو أن صانعها يجهل مكوناتها وليست له الدراية الكاملة للمزج بينها. لذا فإن العلاج بالأعشاب هو سلاح ذو حدين وأغلب أخطاره هي التسمم الذي يهدد صحة متعاطيها.
ورغم ما نسمعه أو نقرأه عن اتساع رقعة المتعاطين للأعشاب ومدى فائدة هذه الأخيرة، فما من عاقل ينكر جهود الأطباء والمفكرين والعلماء على مدى العصور لصالح البشرية ولا يمكن أيضا أن نرمي بالدراسات العلمية التي تنتج يوميا أدراج الرياح، ولا يمكن نفي النجاحات العلمية والعملية التي حققها الطب الحديث.
فاطمة الزهراء الحاتمي