قد يرى البعض أن السباق الثاني نحو استكشاف الفضاء، هو الوصول إلى الكواكب البعيدة أو استيطانها، إلا أن ذلك ربما يكون خاطئاً، لأن دول العالم المتقدمة علمياً واقتصادياً، باتت تخطط ومنذ سنوات، لجمع الطاقة الشمسية، ولكن ليس من خلال إنشاء محطات عملاقة على الأرض، وإنما في الغلاف الجوي، وقد يكون هذا هو السباق الحقيقي الثاني نحو الفضاء، بعد أن بدأ الأول، إبان الحرب الباردة، بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية، الذي كان محوره أخذ أكبر مساحة من الفضاء عن طريق الأقمار الصناعية، ومركبات الفضاء المأهولة وغير المأهولة، كنوع من إظهار للقدرة والتقنية في مجال غزو الفضاء.
في هذا الصدد تعمل الكثير من الحكومات والشركات الخاصة على الاستثمار في مجال الطاقة الشمسية الفضائية، الذي ربما ستصبح الشغل الشاغل لدول العالم، خاصة لمرحلة ما بعد النفط، إذ تخطط الصين على إنشاء نموذج أولي لمحطة فضائية شمسية بحلول عام 2020، كما أن روسيا لديها مسبقاً أقمار صناعية ونماذج أولية لمثل هذه المحطات، تقوم باللازم منذ سنوات، واليابان، باشرت في العمل بشكل جدي، من خلال إطلاق برنامجها الوطني للطاقة الشمسية الفضائية، وتأمل أن تكون لها أقمار صناعية تقوم بهذه المهمة بحلول العام 2030، أما الولايات المتحدة الأمريكية، التي قد تسبق العالم في هذا المجال، فتنوي عن طريق شركة (شركة المحيط الهادئ للكهرباء والغاز)، أو «
The Pacific Gas and Electric Company»، التابعة للدولة في ولاية كاليفورنيا، والتي تعد من أكبر الشركات المختصة بهذا المجال في العالم، إنشاء برنامج توليد الطاقة الكهربائية من الطاقة الشمسية في الفضاء، وكانت الشركة قد أعلنت عن هذا المشروع في العام 2009، والذي يهدف إلى توليد 200 ميجا وات خلال 15 عاماً، تجمعها منظومة فضائية متكاملة لتجميع الطاقة الشمسية في الغلاف الجوي، على بعد نحو 36 ألف كيلومتر، ومن ثم إرسالها إلى الأرض عبر تردد لاسلكي، وسوف تتكون المنظومة من قمر اصطناعي خاص، يقوم بتجميع الطاقة الشمسية من منظومة متكاملة من المرايا، يصل امتدادها لعدة كيلومترات، تعمل على تركيز ضوء الشمس وتحويله إلى خلايا كهروضوئية، ثم يتم تحويل الطاقة الكهربائية المجمعة إلى موجات مايكروويف، توجه نحو الأرض، لتحول مرة ثانية إلى كهرباء، وبحسب الشركة، فإن النظام يمكنه توليد نحو 1.2 – 4.8 جيجا وات طاقة، بسعر تنافسي، مقارنة بموارد الطاقة المتجددة الأخرى.
وفي سياق متصل، تعكف وكالة «ناسا» على تطوير أقمار صناعية، يمكنها أن توفر ثلث أو نصف الطاقة التي يحتاجها العالم بحلول عام 2025. ومنه قمر صناعي ابتكره العالم جون مانكنز، الذي أوكلت إليه وكالة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا)، مهمة استكشاف إمكانية استخدام الألواح الشمسية في الفضاء بهدف تحويل طاقة إلى الأرض.
ويسمى القمر الصناعي لمانكنز ب«القمر الصناعي للطاقة الشمسية المتولدة بألواح شمسية كبيرة»، أو«SolarPower Satellite via Arbitrarily Large PHased Array ».
ويتوقع أن يتم إطلاقه بحلول عام 2025، إذ بإمكانه أن يوفر الطاقة لثلث البشر على الأرض، ليس في وقت واحد، ولكن يمكن التوجه لتغطية أي جزء من الاحتياجات الكهربائية في بقاع الأرض، وتعني هذه التكنولوجيا أنه سيتم توجيه الطاقة إلى الأرض، حيث تقوم محطات الطاقة بالتقاطها وتحويلها إلى المستهلكين، وبحسب مانكنز، فإن القمر يتألف من آلاف الأجزاء الرفيعة المنحنية الأشبه بالمرآة، التي يمكن تحريكها لضمان التقاطها أكبر قدر ممكن من أشعة الشمس.
وفي حال نجاح مثل هذا المشروع، فإن ذلك سيتيح إنشاء منصات ضخمة من عشرات الآلاف من العناصر الصغيرة، التي يمكن أن ترسل عن بعد وبسعر معقول، قدرة كهربائية تتراوح ما بين 10 إلى 1000 ميغا واط، باستخدام نظام تحويل طاقة لاسلكياً إلى مراكز على الأرض، وحتى إلى الرحلات المتوجهة نحو الفضاء، ويقدر العلماء بأن كمّ الطاقة الشمسية المتاحة في الفضاء بمليارات أمثال الطاقة التي نستخدمها على الأرض.
عقبات
تواجه توليد الطاقة الكهربائية من الطاقة الشمسية في الفضاء عدة عقبات، منها الليل والسحب التي تحجب أشعة الشمس، وأن أشعة الشمس عندما تدخل في الغلاف الجوي كثافة الطاقة فيها تقل بنحو 3 إلى 20 مرة، بالإضافة إلى مشاكل أخرى، ويقول بول جاف الذي يعمل على مشروع للطاقة الشمسية الفضائية في أحد مختبرات البحث في البحرية الأمريكية بواشنطن، إنه يمكن التخلص من مشكلة كثافة الطاقة، في حال وضعنا ألواحاً شمسية في مدار حول الأرض، إذ يمكن لهذه الألواح الموجودة هناك، أن تجمع الطاقة بشكل كامل تقريبا على مدار السنة .
والكلفة الرئيسيةالمتعلقة بنقل المعدات والمواد إلى المدار على متن مركبات فضائية، عالية جداً، إذا يتم التعامل معه بالكيلوغرام، وقد يصل سعر إرسال كغم واحد إلى الفضاء نحو 20 ألف دولار، وبحسب الخبراء، فإن فكرة توليد الكهرباء من الأشعة الشمسية الفضائية، ستصبح قابلة للتطبيق إذا ما تم التوصل إلى تقليص كلفة نقل الحمولة.
أقمار ضخمة في مدارات
«الطاقة الشمسية الفضائية» تنبع من تحويل الطاقة الشمسية المكتسبة في الفضاء، إلى أي نوع آخر من الطاقة، بوضع أقمار صناعية ضخمة في مدارات بالفضاء، تكون عبارة عن أجسام عملاقة قابلة للتمدد، وتكون مكونة من ألواح وهوائيات قادرة على تجميع أشعة الشمس لتحويلها إلى طاقة كهربائية، ومن ثم يمكن تحويل حزمة الأشعة، لدى تلقيها في محطات الاستقبال الموجودة على سطح الأرض، إلى تيار كهربائي أو وقود اصطناعي، يتدفقان بشكل متواصل إلى شبكات الكهرباء بغض النظر عن الفصل (صيفاً أم شتاء) أو الطقس أو المكان، وذلك على النقيض من التيار الكهربائي المولد في المحطات الأرضية المستخدمة للطاقة الشمسية، ويقول الخبراء، إن توليد الطاقة الشمسية في الفضاء له العديد من المزايا مقارنة بالنظم الأرضية.
وكان العالم الأمريكي بيتر غلاسر، أول من اقترح نظرية توليد الطاقة الشمسية من الفضاء عام 1968، ويقول العالم الدكتور نيفيل مارزويل، من وكالة ناسا: «لدينا الآن تكنولوجيا قادرة على تحويل الطاقة الشمسية الفضائية إلى الأرض بمعدلات كبيرة، لقد حققنا تقدماً هائلاً، إذ تستطيع الآن تركيز أشعة الشمس من خلال استخدام المرايا الكبيرة والعدسات، للحصول على مزيد من الطاقة، وبالتالي التقليل من التكاليف».
إبراهيم باهو – جريدة الخليج