يتأثر المناخ بعوامل كثيرة مثل ارتفاع درجة الحرارة وانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري وارتفاع مستوى مياه المحيطات. غير أن هناك عامل آخر لم يحض بالاهتمام الكبير: إنها الحرائق التي تجتاح الكثير من الغابات والمناطق الخضراء. لقد أصبح الخبراء يدركون تدريجيا وجود أثار سلبية للحرائق على المناخ، تساهم في التغيرات المناخية.
وحسب سيلفيا كلوستر من معهد ماكس بلانك للأرصاد الجوية، فإن مساحة الغابات التي تتعرض للحرائق تقدر بـ 400 مليون هيكتار سنويا وهي مساحة أكبر من مساحة الهند. وفي أغلب الأحيان تتم هذه الحرائق نتيجة صواعق طبيعية كالبرق الذي يتسبب في اشتعال الخشب واندلاع النيران في الغابات، أو بسبب الإنسان الذي يقوم بحرق أجزاء من الغابات لتحويلها إلى أراضي زراعية. وكانت هذه الباحثة في قضايا المناخ، شاهدة على عملية حرق متعمدة لغابات في جنوب إفريقيا، عندما قامت الحكومة بإضرام النار في الحديقة الوطنية للحيلولة دون تكاثف أشجار السافانا فيها. وتتذكر كلوستر كيف أن طائرات الهليكوبتر كانت تلقي كرات صغيرة مزودة بالكحول في الغابة حتى تشتعل النيران فيها بانتظام وبسرعة كبيرة. وتضيف كلوستر: “في النهاية أصبحت رائحتي كالدخان، وقمت بغسل ملابسي مرات عديدة للتخلص من الرائحة”.
كلوستر متخصصة في الحرائق، فهي تحاول أن تستنتج مدى تأثير الحرائق على المناخ. فحسب هذه الباحثة فإن نسبة الحرائق تراجعت في منتصف القرن التاسع عشر بسبب الهجرة من الأرياف إلى المدن، لكن هذه النسبة عادت إلى الارتفاع ابتداء من عام 1960.
فحسب الخبراء فإن الاحتباس الحراري هو المسبب الرئيسي للحرائق، لأنه يرفع درجة الحرارة في الكثير من المناطق ويجعلها أكثر جفافا وعرضة للاحتراق، كما يتسبب أيضا في ارتفاع نسبة غاز ثاني أوكسيد الكربون في الهواء الذي تحتاجه النباتات لنموها. ولمعرفة ما إذا كانت التغيرات المناخية ستتسبب في مزيد من الحرائق خلال الخمسة والعشرين سنة المقبلة، قامت كلوستر وفريق عملها بمحاكاة على الكمبيوتر وتوصلت إلى أن “نسبة الحرائق ستتضاعف بمستوى خمس مرات حتى عام 2040 مقارنة بالحرائق المسجلة حاليا”. غير أن الباحثة المناخية تؤكد على أن نسبة الحرائق ستتفاوت من منطقة إلى أخرى وتضيف: “في الغابات الاستوائية قد تزداد الحرائق، في حين ستقل في مناطق البحر الأبيض المتوسط، بسبب قلة الغطاء النباتي هناك، وبالتالي ضعف انبعاث الغازات المساعدة على الاحتراق”.
المناخ يؤثر على الحرائق ويتأثر بها أيضا. فكلما ازدادت الحرائق ارتفعت بالمقابل نسبة ثاني أوكسيد الكاربون في الهواء. لكن كلوستر ترى بأن: “الحرائق لا تفرز ثاني أوكسيد الكربون فحسب، وإنما تفرز غازات أخرى مثل غاز الميثان المسبب للاحتباس الحراري. إضافة إلى ذلك تنتشر جزيئات السخام في الهواء التي تمتص ضوء الشمس وبالتالي ترفع من مستوى حرارة الجو”. من جهة أخرى تؤكد الخبيرة في المناخ على أن الجسيمات العالقة في الهواء، الناجمة عن الحرائق تساهم في بعض الأحيان في تلطيف الجو من خلال تحولها إلى غيوم تقوم بدورها بتبريد الغلاف الجوي من خلال عكسها لأشعة الشمس الحارة.
وبشكل عام يمكن القول بأن الأرض التي نعيش فيها قد تشهد في المستقبل مزيدا من الحرائق، لكن هل ستزيد هذه النيران من حدة التغيرات المناخية؟ سؤال يصعب على سيلفيا كلوستر الجواب عليه لأنه يحتاج لمزيد من البحوث والدراسات على حد قولها.