يبقى الدماغ في نظر الباحثين هو العضو الوحيد الذي لا يتغير عبر الزمن، على النقيض من الأعضاء الأخرى التي لها القدرة بمعنى أو بآخر على تجديد نفسها. وقد يبدو هذا مفهوماً أكثر حين نعلم أنه أشبه بـ”أرشيف” لاسترجاع الذكريات والأحداث التي مرت بنا طوال حياتنا.
وقد وجد علماء الأعصاب منذ سنوات قليلة، أن الدماغ يحتفظ بمرونته أي (ليونته) بشكل أكبر عند من يمارسون التمارين الرياضية بانتظام. ووفق دراسة حديثة، فإن الجزء المسؤول عن البصر التي ساد الاعتقاد بأنه مقاوم للتغيير، يستجيب بدرجة عالية لفترات التمارين القصيرة. مما يجعلنا نتساءل حول التأثيرات الأخرى التي قد تحدثها التمارين الرياضية على أدمغتنا خلال حياتنا.
كما كرر فريق الباحثين إحدى التجارب التي نفذها على الحيوانات في السابق، بأن طلب من بعض الأشخاص تغطية إحدى عيونهم أثناء مشاهدة التلفاز أو ممارسة التمارين الرياضية، لتحفيز العين المغطاة وجعلها أكثر قوة لتعويض النقص في الرؤية. وبالفعل، زادت قوة البصر عند الأشخاص الذين مارسوا تمرين الدراجة الهوائية الثابتة بصورة ملحوظة، مقارنة بالأشخاص الذين اكتفوا بمشاهدة التلفاز، مما يشير إلى تزايد مرونة الدماغ بوصفها استجابة للتمارين البدنية.
لكن لماذا تسهم التمارين الرياضية بزيادة مرونة منطقة في الدماغ تعرف بأنها غير مرنة؟ استنتجت كلوديا لونجي من جامعة بيزا، أن التمارين الرياضية تقلل من البطء في خلايا معينة. بعبارة أخرى، يعمل الجهد البدني على زيادة معدل المرونة. فيما يعرف الناقل العصبي (غابا) بأنه المثبط الرئيس للنشاط العصبي، وإذا قل بممارسة التمارين الرياضية أو بأي وسيلة أخرى، فسيزداد نشاط الدماغ ويصبح أكثر ليونة.
ومن المؤكد أنها ليست الدراسة الأولى من نوعها التي تبين أن الدماغ قادر على التأقلم والتكيف بدرجة قد تفوق توقعاتنا. وبينما بذلت جهود عظيمة لمعرفة الطريقة التي تزيد فيها مضادات الاكتئاب من ليونة مناطق محددة في الدماغ، تبين أن إضافة العلاج بالحديث إلى مضادات الاكتئاب أكثر فاعلية من اللجوء الى أحدهما دون غيره. هذا ما تفعله التمارين الرياضية، وتحديداً في المساعدة على نمو خلايا عصبية جديدة في الحصين “الجزء الدماغي الذي يتقلص مع التقدم في العمر، أو في حالات الاكتئاب والجنون. لكن لونجي تعتقد أنه من المبكر وصف التمارين الرياضية وحدها بأنها علاج للاكتئاب أو لأي اضطراب يصيب الدماغ. تقول: “دراستنا تثير الدهشة لأنها تبين أن المستويات المتوسطة من التمارين الرياضية يمكنها تعزيز ليونة القشرة البصرية التي يعتقد بأننا نفقدها في سن البلوغ.”. كما تؤكد على أن اللجوء إلى أنماط مختلفة من التمارين الرياضية لعلاج إصابات الدماغ أمر مهم، كذلك في حالة الشيخوخة المرضية التي ينبغي مواجهتها بإبطاء موت الدماغ.” وستبدي لنا الأيام كيف سيجري توظيف التمارين الرياضية مستقبلاً، لمساعدة الدماغ على التعافي من الإصابات.
وبناء على نتائج هذه الدراسة، تخطط لونجي للبحث في موضوع “العين الكسولة” أو “الغمش” الذي يعتقد بأنه لا يعالج إلا في سن الطفولة، ما دامت وظائف الدماغ لا تستعاد عند البلوغ. تقول: “إذا استطعنا الجمع بين الطريقة التقليدية في علاج “الغمش” (أي تغطية العين السليمة) والتمارين الرياضية، يمكننا عندئذ تحسين الليونة البصرية لعلاج الوظيفة البصرية في العين المصابة ومنح المرضى الأمل.”
اليس والتون – فوربس