تتسارع وتيرة تأثير التغير المناخي في المجتمعات واقتصاداتها بل ونظمها الطبيعية، ما جعل من الضروري إيجاد حلول ناجعة لمواجهة أعقد التحديات البيولوجية في العصر الحديث . وعلى الرغم من التحديات الهائلة، فإن العلماء باتوا قادرين على استخدام التكنولوجيا في ضمان سلامة وبقاء النظام البيئي بأكمله، ومن ثم ضمان أمن المعتمدين عليه.
وبحسب موقع “إي ساينس” العلمي، يعكف العلماء على فك طلاسم الشفرة الجينية للنبات لتحديد الأنواع التي يمكنها التأقلم بشكل تام مع الظروف البيئية المتغيرة.
وكما سخر الباحثون علم الجينات في تحسين المنتج الغذائي، يمكنهم أيضاً استخدامه في إيجاد حلول تحافظ على التنوع البيئي وتحمي الخدمات التي يوفرها النظام البيئي . ويزخر علم الوراثة بإمكانات هائلة يستفيد منها النظام البيئي الطبيعي ابتداءً من المروج والبراري، وانتهاءً بغابات الصنوبر والشعاب المرجانية . ومعروف لدى العلماء تميز النبات بتنوع جيني هائل لا يتأثر حتى في أشد البيئات قسوة، كما يستطيع استخدام الماء بكفاءة مذهلة، ناهيك عن مميزات أخرى متعددة تعد عاملاً حاسماً في قدرته على تحمل التغيرات المناخية والنجاة من الفناء والاندثار.
ولايقتصر أثر التغير المناخي في النبات فقط، بل يمتد إلى كائنات أخرى متعددة ذات تأثير في المملكة النباتية، فعلى سبيل المثال، يعزز تغير المناخ تفشي الآفات ومسببات الأمراض، أو يسمح لأنواع معادية ضارة بالظهور في منطقة ما، لم تكن من قبل صالحة لاستضافتها قبل تغير المناخ . ويرى العلماء أنه من المهم التركيز على تميز النبات بالتنوع الجيني، استجابة لظهور الآفات والأنواع المعادية، والذي تستفيد منه النباتات في وقايتها من الآثار السلبية للآفات، والذود عن نفسها ضد المغيرين على ممالكها . وسوف يحتل استخدام علم الجينات مكانة مهمة في المناطق التي تعاني الآثار السلبية للتغير المناخي، ومنها على سبيل المثال جنوب الولايات المتحدة، حيث ضاعف الجفاف وارتفاع درجة الحرارة من معدل هلاك النبات منذ ،1995 ولا تزال وتيرة هلاكه في تسارع مع مرور الوقت . وتعرضت أنواع من نبات الصنوبر للهلاك بنسبة 100 في المئة في أماكن في ولايتي كولورادو وأريزونا، حيث ساهم الطقس في إنهاك مقاومة النبات لخنفساء اللحاء المتفشية، وأدى ذلك في النهاية إلى اندلاع كثير من حرائق الغابات.
ولحسن الطالع، بحسب الموقع العلمي، فجينوم النبات يعد مستودعا للتنوع الجيني الذي يمكن استغلاله في الحيلولة دون اندثار أنواع معينة من النبات بسبب التغير المناخي.
وتسعى تقنيات وبرامج بحثية لترجمة هذا على أرض الواقع، وبات في إمكان الباحثين التعرف إلى الأنواع النباتية التي تتميز بالقدرة على البقاء في مناخات المستقبل متحدية آثار التغير المناخي المتصاعدة.
وتساعد الأبحاث الجينية، بالفعل الآن على استعادة البقاع الطبيعية التي دمرت، ولأكثر من ثلاثة عقود، درس العديد من الباحثين مدى تأثير التنوع الجيني في شجرة خشب الجوز اللين في الكائنات الحية بشكل عام، بدءاً بالميكروبات وانتهاءً بالثدييات . وأظهر بحث لخمسة عقود، وبتمويل جاوز 626 مليون دولار، على منخفض نهر كولورادو، أظهر اختلافات جينية هائلة في أجيال الكائنات الحية فيه، استغلها الباحثون في استعادة الموائل النهرية، وفي التعرف إلى الأنواع التي سوف تتمكن من البقاء ومقاومة التغير المناخي المستقبلي .
وبحسب الاختصاصيين، فإن فهم رد فعل النبات تجاه الظروف المناخية يتطلب تنسيقاً بين العلوم المختلفة للتوصل إلى آلية تأثير الظروف المتغيرة في النبات من خلال تاريخ حياته، وتاريخ حياة أنساله.
ويؤكد العلماء تأقلم أنواع من النباتات مع التغيرات المحلية التي حدثت عبر آلاف السنين، إلا أنه إن لم يتأقلم اليوم قد لا يتأقلم غداً في ظل التغير المناخي العام . ومن ثم، يمكن أن تساعد أبحاث علم الجينات في اكتشاف الأنواع المتميزة بصفات من نوع خاص تعينها على البقاء أياً كانت الظروف المناخية، ويضم هذا البحث فريقاً من علماء التغير المناخي، وعلم الأحياء، وعلم الوراثة، ومهندسين، عاكفين في الوقت الحالي على استخدام وتطوير تقنيات جديدة لسبر أغوار الجينوم النباتي.
وتقدم هيئة SEGA البحثية في جنوب غرب الولايات المتحدة، بالتعاون مع الهيئة القومية للعلوم، وجامعة نورذرن أريزونا، العون للعلماء لقياس الاستجابة التطورية والبيئية التي لدى أنواع من النبات للتغير المناخي . ومن المزمع أن تنشئ SEGA عشر حدائق أسفل منحدر مرتفع شمالي أريزونا، استناداً إلى حقيقة تغير الحرارة والرطوبة مع تغير الارتفاع، ما سوف يجعل هذه الحدائق مرآة للاختلافات المناخية في بيئات مختلفة، بدءاً بالصحراء، وانتهاءً بغابات جبال الألب . ومن خلال زراعة الأنواع ذاتها في بيئات مختلفة، سوف يتمكن العلماء من تحديد الأنواع ذات الأداء الجيد والسمات المقاومة للتغير المناخي.
الخليج – أشرف مرحلي