مقدمة
إن الإسلام أقر التحكيم، بل حبذه وفضله دون رفع التخاصم إلى القضاء. وسبقت الشريعة الإسلامية القانون الوضعي في كثير من قواعد التحكيم ومميزاته، فالتحكيم لو طبق وخاصة في فض نزاعات المؤسسات المالية الإسلامية، لكان باب خير عظيم حين ينص نظامه على تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية.
إن لصناعة الخدمات الإسلامية، خصائص من حيث الضوابط والممارسة والمصطلحات، تميزها عن الصناعة المالية التقليدية، مما أدى إلى بروز الحاجة إلى إيجاد آلية لفض النزاعات على أساس الشريعة الإسلامية، وذلك بسبب تعاضم دور المؤسسات المالية الإسلامية. ونجد أن المشرع المغربي ورغبة منه في تسهيل سبل فض النزاعات من طريق التحكيم، والعمل على تسهيل إجراءاته وتبسيطها عمل على سن القانون رقم 05-08 المتعلق بالتحكيم بشكل أكثر تطورا من القانون القديم، وذلك لجعل مشروع القانون هذا يهدف إلى إعطاء المصداقية لهذا النوع من التسوية البديلة للنزاعات ولاسيما التجارية منها، ونجد بأن هذا الإهتمام بمجال التحكيم قد طال أيضا البلاد الإسلامية برمتها، وهذا يتضح من خلال إنشاء مجموعة من المراكز مراكز الدائمة على الصعيد الإقليمي للتحكيم منها مركز التحكيم بالقاهرة ، والمركز الإقليمي للتحكيم في كوالالمبور بماليزيا ، ومنها مركز التحكيم الإسلامي بجامعة الأزهر الذي بدأ يزاول نشاطه منذ عام 1995م ، والذي تنصّ المادة (23) من لائحته على أن ( تطبق هيئة التحكيم على النـزاعات المعروضة أمامها مبادئ الشريعة الإسلامية وتختار ما تراه مناسباً من الآراء وفقاً لاجتهادها إلاّ إذا ألزمها الطرفان بتطبيق مذهب فقهي معين دون غيره).
وقد أولت الدول والمؤسسات المالية عناية كبيرة بهذا المجال حيث عقدت اتفاقيات جماعية وثنائية ، وتعقد سنوياً عدة مؤتمرات دولية وندوات علمية لأجل توضيح معالمها ومتابعة آخر القوانين واللوائح الدولية والإقليمية والتطورات القضائية والفقهية .
وبحثنا هذا لا يخوض في غمار التحكيم ذلك البحر المتلاطم الأمواج ، وإنما يتجه نحو التركيز على المبادئ العامة للتحكيم في البنوك الإسلامية والمؤسسات المالية الإسلامية.
وقد أفرد المشرع المغربي لهذه البنوك تنضيما قانونيا جديد، غير أنه لم تتم المصادقة عليه من طرف البرلمان وذلك راجع إلى مجموعة من التعديلات التي لازالت تطاله، من أبرزها إسناد مهمة إصدار الرأي بمطابقة المنتجات المصرفية العمليات والأنشطة التي ستقوم بها البنوك الإسلامية مباشرة إلى المجلس العلمي الأعلى[1]، بعد أن كان المشروع الأصلي يسند هذه المهمة إلى هيئة شرعية تضم المجلس الأعلى والبنك المركزي.
واحتفظ المشروع النهائي للقانون، الذي يرتقب أن يطرح على البرلمان بعد تبنيه من طرف الحكومة، باسم «الأبناك التشاركية» بدلا عن «الأبناك الإسلامية»، التي حددها بكون الأنشطة والعمليات التي تزاولها «لا يجب أن تؤدي إلى تحصيل أو دفع فائدة»، إضافة إلى ربط مكافأة الودائع التي تتلقاها من العملاء بنتائج الاستثمارات المتفق عليها.
ويلزم المشروع بنوك المشاركة (الاسلامية) بالانخراط في المجموعة المهنية للبنوك بالمغرب، وهذه المسألة تهمنا بشكل مباشر على إعتبار أن التحكيم في المنازعات البنكية في بلادنا يأخدتنضيما خاصا، فالأمر يتعلق بالوساطة البنكية التي جعل منها المشرع المغربي وسيلة لفض المنازعات التي تنشأ بين الزبناء والمؤسسات البنكية على إثر العمليات المصرفية.
وتكمن أهمية الموضوع من خلال الإنتشار الكبير للإستثمارات المالية الإسلامية في العالم، والتي تستقي مبادئها وتطبيقاتها من الشريعة الإسلامية، بالرغم من كثرة عددها وقوة وزنها المالي تندرج المؤسسات المالية الإسلامية تحث أنظمة قانونية وضعية، وضعت أساسا لتنضيم عمل البنوك التقليدية حيث ما تخشاه هذه الإستثمارات عند وجود منازعات هو البعد القضائي والتحكيمي، حيث عند إختيار التحكيم وسيلة لحل النزاع، يمكن تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية.
وبالتالي فإن هذا الموضوع يتضمن مجموعة من الإشكالات التي نطرحها على الشكل التالي:
إلى أي حد استطاع المشرع المغربي تنضيم عمليات التحكيم في المنازعات البنكية وخصوصا البنوك الإسلامية التي تدخل في عدادها؟ وهل من شأن خصوصية عمليات البنوك الإسلامية عدم إخضاعها إلى الوساطة البنكية التي تسري على جميع المؤسسات البنكية على اعتبار أن المشرع المغربي جعلها في عداد المجموعة المهنية للبنوك في المغرب وأيضا كون بعض الأنظمة المقارنة مكنت البنوك الإسلامية من نظام خاص للتحكيم ؟ ومدى إسهام الوساطة البنكية في فض منازعات البنوك الإسلامية عن طريق التسوية الحبية دون اللجوء إلى القضاء؟ ومدى تداخل هذه الوسيلة وآلية التحكيم؟
كل هذه الإشكالات سوف نحاول معالجتها من خلال الحديث عن :
المطلب الأول: المبادئ القانونية المتعلقة بالوساطة والتحكيم في المنازعات البنكية الإسلامية.
المطلب الثاني: تضمين شرط التحكيم للعقود البنكية الإسلامية.
المطلب الأول: المبادئ القانونية المتعلقة بالتحكيم في المنازعات البنكية الإسلامية.
تستمد الوساطة البنكية مرجعيتها القانونية من الظهير رقم 169-07-1، الصادر في 30 نونبر 2007. واعتمدت هذه الآلية من طرف المجموعة المهنية للبنوك بالمغرب وبنك المغرب بهدف التسوية الحبية للنزاعات الناشئة بين البنوك وزبنائها في إطار المعاملات البنكية[2]. وكذلك إقرار تقنية الوساطة البنكية دون الإضرار بحق الأطراف في أن تلجأ إلى محاكم القانون العام أو إلى مساطر التحكيم[3]، وعليه، فإن اللجوء إلى الوساطة البنكية يعتبر إراديا وبالمجان[4]. وبالتالي فانضمام البنوك الإسلامية للمجموعة المهنية للبنوك بالمغرب يجعل الأطراف المتنازعة في إطار العمليات المصرفية الإسلامية تلجأ مباشرة لهذه الآلية.
ومما لا شك فيه أن الانفتاح على الوسائل البديلة أو الطرق غير القضائية لحل المنازعات، أبان عن مجموعة من الإيجابيات، والتي تهدف بالأساس إلى حل النزاعات بأقل تكلفة وبسرعة وسرية ومرونة، بعيدا عن القضاء وطول المساطر وتعقدها أحيانا، وهو ما يشكل حماية أكبر للمستهلك البنكي.
وتعتبر الوساطة بشكل عام والوساطة البنكية بشكل خاص من أبرز الوسائل البديلة لحل المنازعات، فالملاحظ على أن القانون رقم 08.05[5] وكذا ميثاق الوساطة البنكية قد وضعا الإطار القانوني للوساطة البنكية
من خلال الفقرات التالية سوف نحاول التطرق للآليات فض المنازعات التي قد تنشأ بين المؤسسات البنكية الإسلامية أو التشاركية كما يسميها المشرع وزبناءها والوسائل الكفيلة لحمايتهم، وكذلك الإجراءات والهيئات المتدخلة في فض هاته النزاعات ودلك بواسطة آلية التحكيم.
الفقرة الأولى : أهمية التحكيم في منازعات البنوك الإسلامية
تحدد أهمية المركز الإسلامي الدولي للمصالحة والتحكيم في فض هذه المنازعات حيث يُعَـوّل ويُعْتَمد عليه في فض كافة النزاعات المالية أو التجارية التي تنشأ بين المؤسسات المالية أو التجارية (الإسلامية منها أو التقليدية ) والتي تختار تطبيق الشريعة الإسلامية في فض نزاعاتها. وتلك سمة مهمة وخاصية تميـز المركز الإسلامي الدولي للمصالحة والتحكيم عن غيره من مراكز التحكيم الأخرى.
كما أن الأحكــام الصادرة من المركز الإسلامي الدولي للمصالحة والتحكيم تحضى بالاعتراف على المستوى الدولي والإقليمي والمحلي.
وتخضع جميع الأحكام الصادرة من الهيئات التحكيمية للمركز الإسلامي الدولي للمصالحة والتحكيم للشروط الأساسية لصدور الأحكام والتي تسهل تنفيذ الأحكام في جميع الدول الـ (142) الأعضاء الموقعون على اتفاقية نيويورك لعام 1958 بشأن الاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية.
ويعمل المركز على مبدأ تحقيق العدالة الصلحية بين الأطراف، وذلك بدعــم وتحفيز الأطراف المتنازعـة إلى التحكيم بالصلــح بدل التحكيم بالقانــون، ويكـون خيار المصالحة أولوية تخضع لرغبة الأطراف المتنازعة.وتحظـى المؤسسات المالية عموماً والإسلامية خصوصاً بالاستفادة من توفير المركز لجلسات المصالحة المجانية والتي لا غنى عنها للأطراف المتنازعة. ويعتمد المركز مجموعة من المعـايير الدوليــة لتقديــم الخدمات (السرعة، والسرية، والشفافية، والحيادية) تمثـل الحد الأدنى للمعايير المستخدمة في المركز الإسلامي الدولي للمصالحة والتحكيم، فهي تحت التقييم والتطوير المستمر.
وتحظـى المؤسسات المالية عموماً والإسلامية خصوصاً بالاستفادة من تقنيات العمل الحديثة والتي يتميز بها المركز عن غيره، ومنها ( قسـم التبليغ ) والذي من شأنه اختصار فترة التقاضي بنسبة (60%) وتمكين المحتكمين من فض نزاعاتهم بالسرعة والمهنية المطلوبة.
ويحظى المحتكمون في المركز الإسلامي الدولي للمصالحة و التحكيم بقوائــم خاصة من المحكمين والخبراء الموثقين من المركز وعلى ذمة الصناعة المالية الإسلامية, حيث يمتلك المركز قاعدة بيانات خاصة بالكفاءات الفنية والشرعية في مجال المعاملات المالية.
فالمركز الإسلامي الدولي للمصالحة والتحكيم مؤسسة لا تهدف إلى الربح. ويحظــى التحكيم بالمركز بقلة التكلفة حتى في النزاعات التجارية الدولية المعقدة، وتعتبـر تكلفة التحكيم بالمركز منافسة إلى حد كبير فقد تم تحديدها بعناية وذلك بعد مراجعة مراكز التحكيم المختلفة حول العالم.
وهناك مزايا بالنسبة للمؤسسات المالية التي تحتكم لنظم ولوائح المركز الإسلامي الدولي للمصالحة والتجكيم في دبي منها :
– مطابقة قرارات هيئات التحكيم لأحكام الشريعة الإسلامية، وذلك بصدور أحكام مطابقة للشريعة الإسلامية، من متخصصين في المعاملات المالية الإسلامية بشقيها الفني والشرعي.
– قطع الطريق على المماطلين: الأصل إن تكون المؤسسات المالية الإسلامية، أحرص من غيرها من المؤسسات المالية، على اختيار التحكيم، كصيغة لفض النزاعات، لأن الضرر عليها أكبر من المؤسسات التقليدية.
فالمؤسسات المالية التي يحرم عليها تقاضي غرامات التأخير تعويضا عن فرص الإستثمار التي ضاعتبسبب التأخير، تحتاج إلى صدور حكم في وقت وجيز لإسترجاع حقوقها، وهذه الوضيفة يؤديها مركز التحكيم.
أما المؤسسات المالية التقليدية التي تتقاضى غرامات التأخير، فسرعة بث القضايا ليست لها أهمية بنفس الدرجة لأن في غرامات التأخير، بالنسبة للمؤسسات المالية التقليدية تعويضا ولو جزئيا.
– مدى قدرة المحاكم على معالجة المسائل المستجدة في مجال المعاملات المالية : أثبثت بعض المحاكم التي نضرت في قضايا تخص المعاملات المالية الإسلامية عدم قدرتها على فهم طبيعة، وأبعاد المعاملات المالية الإسلامية، ونعني هنا المحاكم البريطانية التي تعرض عليها سنويا نسبة كبيرة من القضايا.
– الإلمام بالجوانب الشرعية موضوع النزاع: إن سوء فهم بعض أحكام الفقه قد يؤدي في بعض الحالات إلى الحكم بصحة المعاملة من الناحية القانونية، رغم بطلانها من الناحية الشرعية أو إلى إعادة تكييفها، لتستجيب لقوالب القانون الوضعي، بالرغم من صحتها من الناحية الشرعية.
– تقييد المحكمين المطلق بتطبيق أحكام الشريعة، كما هو منصوص عليه في بند التحكيم، لأن المحكم يستمد نفوده من اتفاق التحكيم، أما المحاكم لاتتقيد بهذا البند.
– عدم تأثر المحكم بالمحيط القانوني لأنه يتقيد بإتفاقية التحكيم خوفا من تعرض حكمه للبطلان.[6]
الفقرة الثانية : اللجان التحكيمية ومراحل الدعوى
1. اللجان التحكيمية لتسوية منازعات البنوك الإسلامية.
تشكل هيئة التحكيم في إطار المركز الإسلامي الدولي للمصالحة والتحكيم .[7] من عدد فردى من المحكمين وفقا لما هو مقرر في مشارطة أو شرط التحكيم ، فإذا لم تحدد المشارطة أو شرط التحكيم عدد المحكمين أو كيفية اختيارهم يتولى الأمين تعيين المحكمين بناء على لائحة المصالحة والتحكيم ، بعد التشاور مع أعضاء اللجنة التنفيذية في اجتماع اللجنة أو بالتمرير.
يحتفظ المركز بقوائم تتضمن عدداً كافياً من أسماء رجال القانون والشريعة والمصرفية والاقتصاد والتجارة وأساتذة الجامعات والمعاهد العليا وغيرهم. وللمركز أن يستعين عند إعداد القوائم باقتراحات غرف التجارة والصناعة بالدول الأعضاء بمنظمة المؤتمر الإسلامي وغيرها . وللأطراف المعنية الإطلاع على تلك القائمة واختيار محكمين منها أو من خارجها.
ويشترط في المحكم أن يكون من رجال القانون أو القضاء أو من ذوي الخبرة العالية والإطلاع الواسع في التجارة والصناعة والمال والملمين بالشريعة الإسلامية، وأن يكون متمتعاً بالأخلاق العالية والسمعة الحسنة، والاستقلال في الرأي.
2. مراحل التحكيم في البنوك الإسلامية:
فيما يتعلق بمراحل التحكيم بالمركز الإسلامي الدولي للمصالحة والتحكيم فنجدها على الشكل التالي :
يقدم المدعي (المحتكم) طلبه للمركز باللجوء للتحكيم عن طريق المركز،في غضون (7) أيـام من تاريخ التسلم يعد المركز إشعار بتسلم الطلب يوجه للمحتكم ومن ثمة يتم دارسة طلب التحكيم من قبل الدائرة القانونية في المركز للتأكد من توفر شروط صحة الطلب ولتقييم الطلبات ومن ثمة رفع تقرير للأمين العام الذي عليه إخطار المحتكم ضده بطلب التحكيم.
بعد دلك يتم إخطار المحتكم ضده بكتاب مسجل بعلم الوصول خلال (20) يوم أو 40 يوم كحد أقصى على المحتكم ضده تقديم دفوعه وطلباته المقابلة ووثائقه وإثباتاته وتقديم اسم محكمه. 15يوماً تمنح للمحكمين المعينين لاختيار محكم ثالث. 7 أيام تترك للمركز لتعين محكم إذا ما طلب منه ذلك أو إذا لم يذكر أي من الطرفين محكمه في طلبه. إذا نازع أي من الطرفين في تعين أحد المحكمين يفصل الأمين العام في هذه المنازعة خلال 3 أيام بقرار نهائي.
يوقع المحكم المختار مباشرة بعد تثبيته عقد إلتزام مع المركز لضمان الحيادية وعدم النشر والشفافية وعدم الإتصال بشكل منفرد والإلتزام بالآجال المحددة.
خلال 7 أيام من تاريخ اختيار آخر محكم واكتمال تعيين هيئة التحكيم على الأمين العام إحالة ملف الدعوى التحكيمية إلى هيئة التحكيم المهينة أصولاً. تثم بعد دلك إحالة الملف لهيئة التحكيم وتحديد موعد لعقد اجتماع تمهيدي بحضور جميع الأطراف خلال (15) يوماً من تـاريخ تسليم ملف التحكيم لهيئة التحكيم.
تدرس هيئة التحكيم ملف الدعوى وتضع مقترحات لعرضها على طرفي النزاع بغية حل النزاع وديًا “إذا ما رأت هيئة التحكيم إمكانية لذلك”.
وفي الجلسة التمهيدية يتم عرض مساعي المصالحة على الطرفين، وفي حال تجاوب الطرفان لتلك المساعي يوقع الطرفين وثيقة المصالحة التي يعدها المركز بناء على اتفاق الطرفين خلال 7 أيام. وفي حال فشل مساعي المصالحة في المدة المحددة تتابع هيئة التحكيم إجراءات نظر الدعوى التحكيمية.
وتتم المداولات وإعداد مشروع الحكم. ومن ثمة إمكانية عرض مشروع الحكم التحكيمي على الهيئة الشرعية الاستشارية المعينة من قبل المركز (وفق اللائحة المنظمة لعملها) تلك الهيئة لها أن تقترح على هيئة التحكيم إدخال تعديلات شكلية وشرعية على مشروع الحكم. دون أن تكون مقترحاتها ملزمة لهيئة التحكيم.
ويصدر حكم التحكيم بالأغلبية وبضوابطه وذلك في حد أقصى 6 أشهر من تاريخ إحالة القضية إلى الهيئة .
يمنح للطرفين مدة (15) يوم من يوم تبليغ الحكم لتقديم طلب تصحيح. يمنح للطرفين مدة (7) أيام من يوم تبليغ الحكم لتقديم طلب التفسير. تحدد مهلـة (20) يوم للهيئة من أجل إجراء التصحيح أو التفسير.
ثم تسلم هيئة التحكيم أصل الحكم للأمين العام للتوثيق والحفظ. “ويكون الحكم الصادر من الهيئة وفقاً لهذه الإجراءات ملزماً ونهائياً “
ويكون تنفيد الحكم طوعيا بتوافق الطرفين وبالسرية المطلوبة، كما أنتنفيذ الحكم عن طريق المحكمة المختصة من خلال دعوى أو طلب تصديق الحكم، ويكون موضوع الحكم حائزًا قوة الأمر المضي فيه ولا يجوز للمحكمة التطرق له.
المطلب الثاني : تضمين شرط التحكيم للعقود البنكية الإسلامية.
حسب الفصل الثالث من ميثاق الوساطة البنكية أن اللجوء إلى الوساطة البنكية هو لجوء إرادي وبالتالي يحق للأطراف اللجوء إلى مسطرة التحكيم وهذا الأمر لايتم إلا عبر تضمين العقد البنكي شرط التحكيم، بناء على توافق كل من الزبون و المؤسسة البنكية. وهو الأمر الذي حث المركز الإسلامي الدولي للمصالحة والتحكيم عليه، المؤسسات المالية عموماً والمؤسسات المالية الإسلامية خصوصاً والتي ترغب في تحكيم المركز لفض النزاعات التي تكون طرفاً فيها والتي قد تنشأ مستقبلاً بأن تنص في العقود والإتفاقيات التي تبرمها مع المتعاملين معها على صيغة التحكيم التالية:
أي نزاع ينشأ بين الطرفين (الأطراف) عن إنعقاد أو تفسير أو تنفيذ أو فسخ أو إلغاء أو صحة أو بطلان هذه الإتفاقية (العقد) أو ما يتفرع عنها أو يرتبط بها يُحال إلى هيئة تحكيم تعين بعدد وتر من المحكمين لتفصل في النزاع بحكم نهائي وملزم وفقاً للقواعد والإجراءات المنصوص عليها في نظام المركز الإسلامي الدولي للمصالحة والتحكيم بدبي.
وبالتالي كان لزاما منا التعرض لأهمية هذا الشرط على اعتبار أنه تعبير الطرفين على اللجوء إلى التحكيم بإحدى الصورتين، الأولى تتم عن طريق تدوين شرط التحكيم في العقد البنكي الأصلي، وينص عادة على أنه إذا حدث خلاف أو نزاع ناتج عن العقد أو في مسألة معينة تتعلق به يصار إلى حله عن طريق التحكيم، بمعنى أن كل من الزبون والمؤسسة البنكية يقرران اللجوء إلى التحكيم لحسم النزاع الذي قد ينشأ عن العقد الذي يجمع بينهما، يعني أن الاتفاق على إعمال نظام التحكيم ينصب على نزاع بنكي و محتمل وغير محدد ومستقبلي، والأطراف في هذه الحالة لا يكونون على بينة تامة بخصوص معطيات النزاع وملابساته المحتملة، أما الصورة الثانية فتتم عن طريق إبرام عقد يكون محله نزاع قائم وحال ومحدد نشأ فعلا بين الطرفين، ومعظم التشريعات تجيز الاتفاق طبقا للصورتين معا ومنها التشريع المغربي. إذن من هنا ننطلق لنبحث عن مفهوم شرط التحكيم كما جاء في التشريع المغربي وبعض التشريعات المقارنة.
الفقرة الأولى : ماهية شرط التحكيم
أولا : تعريف شرط التحكيم.
منذ الوهلة الأولى يتبادر إلى الذهن أن شرط التحكيم يحيل إلى المفهوم الدقيق للشروط أي كوصف للالتزام وفق ما عرضه المشرع المغربي في المادة 107 وما يليها من ق.ل.عوالتي تنص على أن « الشرط تعبير عن الإرادة يعلق على أمر مستقبل وغير محقق الوقوع».
ففي البداية يبدو أن هذا المقتضى ينطبق على حقيقة شرط التحكيم، لكن الواقع غير ذلك، ذلك أن الشرط كوصف للالتزام معناه “أن يكون الالتزام مقرونا بشرط سواء كان واقفا أو فاسخا” بيد أن شرط التحكيم هو التزام في حد ذاته ينشأ عنه اتفاق تلتقي فيه إرادتان، وبالتالي، فشرط التحكيم هو التزام معلق على شيء آخر هو نشوء النزاع.
وإذا كان المشرع المغربي في الباب الثامن منق.م.م لسنة 1974 لم يعرف شرط التحكيم بل نص عليه مرة ضمنيا في الفقرة الأولى من المادة 309 وأخرى صراحة في الفقرة الثانية من نفس المادة، إلا أن هذا التنصيص لم يكن ليقوم مقام التعريف الشامل لشرط التحكيم وهو ما جعل المشرع يتدارك الأمر في قانون التحكيم الجديد رقم 05-08، حيث عرفه في نص المادة 316 على أن « شرط التحكيم هو الاتفاق الذي يلتزم فيه أطراف عقد بأن يعرضوا على التحكيم النزاعات التي قد تنشأ عن العقد المذكور».
في حين أنه عرف عقد التحكيم في الفصل 314 من نفس القانون على أنه الاتفاق الذي يلتزم فيه أطراف نزاع نشأ بينهم بعرض هذا النزاع على هيئة تحكيمية.
أما المشرع الفرنسي، وبعد أن قبل بورود شروط التحكيم في العقود سواء كانت مدنية أو تجارية- فقد عرف شرط التحكيم في المادة 1442 من قانون المسطرة المدنية لسنة 1980 بأنه: «اتفاق يتعهد بمقتضاه الأطراف في عقد من العقود بإخضاع المنازعات التي يمكن أن تنشأ بينهم في المستقبل للتحكيم»[8]
في حين أن المشرع المصري سار على نهج اتفاقية نيويورك والقانون النموذجي، حيث إنه لم يعرف شرط التحكيم لوحده بل عالجه إلى جانب مشارطة التحكيم تحت عنوان اتفاق التحكيم وذلك في المادة 10 التي نصت على أنه: «اتفاق الطرفين على الالتجاء إلى التحكيم لتسوية كل أو بعض المنازعات التي نشأت أو يمكن أن تنشأ بينهما بمناسبة علاقة قانونية معينة عقدية كانت أو غير عقدية.
يجوز أن يكون اتفاق التحكيم سابقا على قيام النزاع سواء قام مستقلا بذاته أو ورد فى عقد معين بشأن كل أو بعض المنازعات التي قد تنشأ بين الطرفين… »[9].
ومن المفيد أيضا أن نورد في هذا الصدد التعريف الذي أورده القانون النموذجي الذي وضعته لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي الأنسيترال[UNCITRAL [10 وذلك في الفقرة الأولى من المادة السابعة تحت عنوان تعريف اتفاق التحكيم وشكله بنصه على: «اتفاق التحكيم هو اتفاق بين الطرفين على أن يحيلا إلى التحكيم جميع أو بعض المنازعات المحددة التي نشأت أو قد تنشأ بينهما بشان علاقة قانونية محددة تعاقدية كانت أو غير تعاقدية، ويجوز أن يكون اتفاق تحكيم في صورة شرط تحكيم وارد في عقد أو في صورة اتفاق منفصل»[11]
أما معاهدة نيويورك الموقعة في 10 يونيو 1958 فقد تطرقت إلى مفهوم الاتفاق المكتوب الذي يحمل بين طياته شرط التحكيم ومشارطة التحكيم حيث جاء في الفقرة الثانية من مادتها الثانية ما يلي: «يقصد باتفاق مكتوب شرط التحكيم في عقد أو اتفاق التحكيم الموقع عليه من الأطراف أو الاتفاق الذي تضمنته الخطابات المتبادلة أو البرقيات»[12].
ومن نافلة القول أن الفقه أيضا تعرض لتعريف شرط التحكيم، ونذكر هنا تعريفا للدكتور عبد الكريم الطالب الذي يقول أن: «شرط التحكيم هو أن يتفق الأطراف على اللجوء إلى المحكمين وذلك قبل نشوء أي نزاع بينهم، ولهذا يكون هذا الشرط مدرجا بالعقد وملزما لمن اتفقوا عليه في حال حدوث خلاف بينهم بخصوص تنفيذ أو تفسير العقد لاحقا»[13].
أما الفقيه المصري الدكتور محمود السيد عمر التحييوي فإنه قال بأنه: «الشرط الذي يتيح للأفراد والجماعات تنظيم الفصل في منازعاتهم التي يمكن أن تنشأ في المستقبل المحتملة وغير المحددة… دون حاجة إلى الالتجاء إلى القضاء العام في الدولة صاحب الولاية العامة، والاختصاص بالفصل في جميع منازعاتهم وأيا كان موضوعها، إلا ما استثنى بنص قانوني وضعي خاص»[14].
إذن من خلال استقرائنا لمجمل هذه التعريفات، نلاحظ أنها عرفت شرط التحكيم على أنه اتفاق بما تحمله هذه الكلمة من معنى، يتم بين طرفي علاقة قانونية سواء كانت عقدية أو غير عقدية، وملزم لهما، ويكون محله اختيار اللجوء إلى نظام التحكيم لعرض أي نزاعات يمكن أن تنشأ في المستقبل بينهما على إثر الرابطة التي تجمعهما، بدل عرضها على القضاء صاحب الولاية والاختصاص.
وهكذا فإن شرط التحكيم يحتل مكانة هامة باعتباره حجر الأساس في اللجوء إلى التحكيم وهو الاستثناء من قاعدة الاختصاص العام للمحاكم، ولذلك يتعين على الطرفين أن يكون اتفاقهما على شرط التحكيم واضحا دون غموض وأن يأتي في صياغة دقيقة، لأن الصياغة هي الأداة التي يجري بمقتضاها نقل التفكير القانوني من الحيز الداخلي إلى الحيز الخارجي، فهي ببساطة أداة للتعبير عن فكرة كامنة لتصبح حقيقة يجري التعامل على أساسها، وتطبيقا لذلك فإن الأطراف عادة ما يلجئون إلى بعض نماذج لصياغة شرط التحكيم ومن بينها نموذج غرفة التجارة الدولية بباريس الذي جاء على هذا الشكل:
“جميع الخلافات التي تنشأ عن هذا العقد أو التي لها علاقة به يتم حسمها نهائيا وفقا لنظام التحكيم لغرفة التجارة الدولية بواسطة محكم أو عدة محكمين يتم تعيينهم طبقا لذلك النظام”
ونذكر أيضا نموذج الأنسترال وهو: “كل نزاع أو خلاف أو مطالبة تنشأ عن هذا العقد أو تتعلق به أو بمخالفة أحكامه أو فسخه أو بطلانه يسوى بطريق التحكيم وفقا لقواعد التحكيم التي وضعتها لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي”.
ويجب أن لا يغيب عن بالنا أن للإطراف كامل الحرية في صياغة شرط التحكيم وتضمينه الأمور التي يرغبان فيها، مثال ذلك المدة التي يجب فيها إصدار الحكم والشروط التي يجب توافرها في المحكم والقانون الواجب التطبيق على الموضوع وعلى الإجراءات وهل يرغبان أن تكون المرافعة علنية أم سرية إلى غير ذلك من الأمور التي لا تتعارض مع طبيعة التحكيم وقواعده الآمرة الواجبة التطبيق.
فيما يخص القانون الواجب التطبيق فإن المؤسسات المالية الأسلامية وإن كانت مرجعيتها الأساسية هي أحكام الشريعة الإسلامية، إلا أنها تخضع في الوقت نفسه إلى ضوابط أخرى فهي بدلك تنشط تحث تعدد الأنظمة ونقصد بدالك :
– القوانين والنضم السارية في البلدان التي تنشط فيها(نظم المصارف، وشركات التأمين، وشركات التأجير وشركات التمويل، والصناديق وغيرها).
– رقابة الهيئات الشرعية التي تتبعها.
– المعايير والمبادئ الإرشادية التي تصدرها مؤسسات، كهيئة المحاسبة والمراجعة، ومجلس الخدمات المالية الإسلامية.
– المعايير الدولية التي تنظم كفاية رأس المال .
– لهيئة التحكيم أن تختار من المذاهب الإسلامية وآراء المجامع الفقهية، واجتهادات هيئات الرقابة الشرعية في المؤسسات المالية الإسلامية.[15]
ومما تجدر الإشارة إليه أيضا أن اتفاق الطرفين على اللجوء إلى التحكيم لا يعني تنازلهما المطلق عن اللجوء إلى القضاء، وإنما منح المحكم سلطة الحكم لحسم النزاع بدلا من المحكمة، فإذا لم تتم العملية التحكيمية لسبب ما أو رفض أحد الأطراف تنفيذ القرار الخاص بالتحكيم أو لم يتمسك أحد الخصوم بشرط التحكيم عند رفع الدعوى من قبل الطرف الآخر أمام المحكمة، عندئد تكون السلطة القضائية هي المختصة بالنظر في النزاع.
وشرط التحكيم على هذا النحو السالف الذكر لا يعد منقبيل التصرفات الواجب شهرها، وإنما هو مجرد اتفاق على عرض النزاع علىالمحكمين والالتزام بحكمهم.[16]
وإذا عدنا إلى التعريفات السابقة، نجدها تنص على أن شرط التحكيم يرد كبند من بنود العقد الأصلي وهذا هو الغالب، لكن هذا لا يمنع من أن يرد في صور أخرى.
ثانيا : صور شرط التحكيم
تنص المادة 317 منق.م.م في فقرتها الأولى على أنه: «يجب تحت طائلة البطلان أن يضمن شرط التحكيم كتابة في الاتفاق الأصلي أو في وثيقة تحيل إليه، بشكل لا لبس فيه»[17].
أما المادة 313 من نفس القانون فتنص في فقرتها الثانية والثالثة على ما يلي: «يعتبر اتفاق التحكيم مبرما كتابة إذا ورد في وثيقة موقعة من الأطراف أو في رسائل متبادلة أو اتصال بالتلكس أو برقيات أو أية وسيلة أخرى من وسائل الاتصال والتي تعد بمثابة الاتفاق تثبت وجوده، أو حتى بتبادل مذكرات الطلب أو الدفاع التي يدعي فيها أحد الطرفين بوجود اتفاق تحكيم دون أن ينازعه الطرف الأخر في ذلك.
ويعد في حكم اتفاق التحكيم المبرم كتابة كل إحالة في عقد مكتوب إلى أحكام عقد نموذجي أو اتفاقية دولية أو إلى أي وثيقة أخرى تتضمن شرطا تحكيميا إذا كانت الإحالة واضحة في اعتبار هذا الشرط جزءا من العقد».
هذه المواد تشير إلى الصور التي يمكن لشرط التحكيم أن يتجسد في إحداها وهى:
أ- شرط التحكيم الوارد في العقد الأصلي:
فيها يرد شرط التحكيم في شكل بند في عقد من العقود التجارية، يقضى بأن أي نزاع حول إعمال أو تفسير أو تنفيذ العقد يتم تسويته عن طريق التحكيم، وهي الصورة الغالبة، وهذا بالطبيعي يقتضى أن تكون العلاقة عقدية وان يكون الشرط سابقا على قيام المنازعة.
ويعتبر شرط التحكيم في هذه الحالة شرطا صحيحا لأنه من مقتضيات العقد ولاسيما في عقود التجارة الدولية التي أصبح شرط التحكيم فيها من أهم الشروط وأكثرها شيوعا، ولأنه من جهة أخرى يلاءم العقد وإن كان سابقا على النزاع ولا يتضمن غررا ولا مقامرة ولا ربا بل يتضمن احتكاما للقانون أو الحق والعدالة والإنصاف، ويحقق منفعة للطرفين على قدم المساواة في تحديد طريقة فض النزاعات الناشئة عن العقد.
ب- الإحالة إلى وثيقة أخرى:
قد لا يرد شرط التحكيم كبند في العقد الأصلي كما اشرنا إلى ذلك أعلاه، بل يكتفي العقد بالإحالة إلى وثيقة أخرى تتضمن شرط التحكيم، وهو ما يحدث عادة في عقود التجارة الدولية ، ويستوي في ذلك أن تكون الوثيقة المحال إليها اتفاقا بين الطرفين أو وثيقة صادرة من احدهما أو صادرة من أي شخص أخر أو عقد نموذجيا أو لائحة لمركز تحكيم أو اتفاقية دولية، وهذه الإحالة تعتبر اتفاقا على شرط التحكيم وفقا للمادتين 313 و 317 من ق.م.م.
على أنه يلزم لإعمال شرط التحكيم المحال إليه في عقد سابق الشروط التالية:
– أن يكون شرط التحكيم المحال إليه نافذا فإذا لم يتوافر فيه شرط نفاذه فإن الإحالة لا تكفي.
– أن تكون الوثيقة المحال إليها سابقة في وجودها عن العقد المحيل، فلا تكفي الإحالة إلى اتفاق لاحق أو عمل قانوني لاحق سيصدر بعد إبرام العقد المحيل.
– أن تكون الوثيقة المحال إليها تتضمن صراحة شرط التحكيم.
– أن تكون الوثيقة المحال إليها معروفة للطرف الذي يحدث التمسك في مواجهته بالشرط، أو على الأقل أن تكون الوثيقة معلومة على نطاق واسع في وسط النشاط الاقتصادي الذي ينتمي إليه الطرفان، بحيث لا يمكن الادعاء بعدم معرفته لها، على أنه يلاحظ أنه إذا ما اتفق الطرفان على إجراء التحكيم وفقا لنظام مركز تحكيم معين دون النص على الشرط مباشرة في الاتفاق أو الإحالة إليه صراحة، فإن شرط التحكيم كما ينص عليه المركز يعتبر متفقا عليه من الطرفين معا ولا يجوز لأي واحد منهما الزعم بأنه لم يكن على دراية أو لم يطلع على لائحة المركز قبل رضائه بالالتجاء إلى التحكيم وفقا له[18].
وتطبيقا لهذا الشرط، حكمت محكمة النقض الفرنسية بصحة الإحالة على الشروط العامة أو على شرط نموذجي، حيث قررت أنه: “في مجال التحكيم الدولي يصبح شرط التحكيم بالإحالة المكتوب في وثيقة تتضمنه مثل الشروط العامة أو العقود النموذجية، وأنه مادام قد أشير إلى هذه الوثيقة في العقد الأساسي وكان الطرف المراد الاحتجاج عليه بها قد علم بفحواها لحظة إبرام العقد، فإن سكوته يدل على أنه قبل إدماجها بما تتضمنه من شرط تحكيم” [19]
– أن تكون الإحالة واضحة إلى شرط التحكيم الوارد بتلك الوثيقة المحال إليها باعتباره جزءا من العقد إحالة لا لبس فيها أي إحالة صريحة وواضحة كما جاء على لسان المشرع المغربي: أن يضمن شرط التحكيم كتابة في العقد الأصلي أو في وثيقة تحيل إليه بشكل لا لبس فيه[20].
وقد تتم الإحالة إلى عقد أخر سابق أبرم بين الطرفين أو بين أحدهما والغير إذا قام أحد الطرفين بإبرام عقد جديد مع الغير مرتبط بالعقد السابق يتضمن إحالة إلى شرط تحكيم وارد ضمن بنود العقد السابق.
والمعيار لاعتبار الإحالة كافية للقول بوجود اتفاق تحكيم هو ما إذا كانت هذه الإحالة قد تمت واضحة إلى شرط التحكيم الوارد في العقد السابق، وليست إحالة عامة إلى بنود العقد السابق دون إشارة واضحة ومحددة إلى شرط التحكيم الوارد فيه، ففي الفرض الأول، تكون إرادة الأطراف واضحة في اللجوء إلى التحكيم، أما في الفرض الثاني فلا يمكن إعمالها، فالإحالة إلى العقد السابق يجب أن تكون مصحوبة بالإشارة إلى وجود شرط تحكيم في هذا العقد.
وإذا أبرم عقدان بين نفس الطرفين، وكان الارتباط بينهما ارتباطا عضويا بحيث يعتبر العقد اللاحق مكملا للعقد الأصلي السابق، فإن شرط التحكيم الوارد في العقد الأصلي يسري على ما يليه من عقود لاحقة مكملة له، ويكفي في هذه الحالة أن يتم التنصيص في العقد اللاحق على تطبيق جميع شروط العقد السابق عليه دون حاجة إلى إحالة صريحة إلى شرط التحكيم الوارد فيه.
ونجد أن قضاء التحكيم الدولي سار في هذا الاتجاه حتى أصبح مكرسا في أحكامه، حيث ذهب أن تمديد شرط التحكيم يتعدى نطاق العقد الأصلي الذي أدرج فيه إلى عقد آخر إذا كان هذا العقد مكملا للعقد الأصلي أو مساهما في تحقيق نفس الغرض.
وقد قضت محكمة النقض الفرنسية بأنه إذا حدثت إحالة في اتفاق بين طرفين إلى شروط عامة في وثيقة تتضمن شرط تحكيم، وكان الطرف الذي يحتج عليه بشرط التحكيم عالما بهذه الشروط، فإن سكوته يعني موافقته على هذا الشرط أي شرط التحكيم.
ويتجلى الأساس القانوني الذي أدى إلى اعتبار الإحالة بمثابة اتفاق على التحكيم، هو توافر إرادة الأطراف المشتركة لإعمال هذه الإحالة بالالتجاء إلى التحكيم، فإذا لم تنطو هذه الإحالة على رضا الطرفين الواضح بالتحكيم لحل ما قد ينشأ بينهما من منازعات متعلقة بالعقد فإن الإحالة لا تكون كافية.
ج- شرط التحكيم الوارد في المراسلات المتبادلة:
في التشريع المغربي وحتى في بعض التشريعات المقارنة كالتشريع المصري، لا يوجد ما يمنع من إدراج شرط التحكيم في ورقة مستقلة استقلالا ماديا وليس قانونيا عن العقد الأصلي، حتى ولو اتخذت هذه الوثيقة شكل فاتورة أو رسالة أو برقية أو غيرها من وسائل الاتصال المكتوبة وفق ما جاء في الفقرة الثانية من المادة 313 من ق.م.م، سواء وقع ذلك وقت التعاقد أو في وقت لاحق شرط أن يقع هذا الإدراج قبل نشوء النزاع بين أطراف العلاقة القانونية.
والسؤال الذي يطرح هنا هو من أين تستمد هذه الوسائل حجيتها في مجال التحكيم؟
– حجية البرقيات المتضمنة لشرط التحكيم:
نجد الإجابة عن السؤال في قواعد قانون الالتزامات والعقود وخصوصا في الفصول 428-429-430 و431 منه والتي اعتبرت البرقية كالورقة العرفية التي يمكن الاحتجاج بما تتضمنه إذا كان أصلها موقعا من مرسلها أي ممن صدرت عنه بخط يده، أو إذا ثبت أن هذا الأصل قد سلم من مرسلها إلى مكتب البرقيات ولو لم يكن موقعا عليه. والورقة العرفية تثبت بها التصرفات القانونية طبقا لما جاء في نص الفصل 424 من ق.ل.ع[21]، وكذا الفصل 313 من قانون التحكيم الذي سوى بين العقد الرسمي والعقد العرفي لكتابة اتفاق التحكيم.
إذن فالشرط التحكيمي الوارد في البرقيات بين الطرفين يعتبر كما لو كان واردا في عقد المعاملة الأصلي.
– حجية التلكس والفاكس المتضمن للشرط التحكيمي:
التلكس تقنية للاتصال المباشر بين شخصين يتوفران على هذا الجهاز، وهو يشبه الهاتف مع فارق أن التلكس يترك أثرا ماديا وهي رسالة مكتوبة أوتوماتيكيا تشتمل على دليل التلكس المستعمل في الإرسال ورقم تلكس الاستقبال وعلى تاريخ الإرسال ومضمون الاتصال ثم اسم المرسل وصفته، إلا أن هذه الآلة لا ترسل التوقيع الذي ذيلت به الرسالة، فهل يمكن والحالة هذه أن تكون وسيلة للإثبات؟ الجواب يكون بالنفي لأن النسخة المأخوذة عن طريق التلكس لا تحمل توقيع مرسلها ولم يتم الاشهاد بمطابقتها للأصل لكي تتمتع بحجية الأصل حسب الفصل 440 من ق.ل.ع، إذن فلا يمكن اعتبارها إلا بداية حجة كما ذهب إلى ذلك القانون الفرنسي في الفصل 1347 الذي اعتبر النسخة المرسلة بالتلكس بداية حجة في المواد المدنية ودليلا كاملا في المواد التجارية التي تعتمد على حرية الاثبات.[22]
أما تقنية الفاكس فهي شبيهة بالتلكس مع فرق جوهري أن الفاكس يطبع أيضا التوقيع باليد، وبالتالي فإن هذا السند تكون له حجية الورقة العرفية.
– حجية الرسائلالإلكترونية والتوقيع الإلكتروني:
إن واقع التجارة الدولية بات يلح عليضرورة الاعتداد بالعقود الإلكترونية والتوقع الإلكتروني وأصبحت المسألة ليست منحصرةفي الاعتراف بهذا النمط من التعامل وإنما في كيفية التغلب علي مخاطره الناتجة عنعواقب الالتجاء إليه لعدم توافر وسائل الأمان الكامل وأخطار الأجهزة الإلكترونيةوتفاوت التقنية اللازمة لسلامة وحفظ الرسائل الإلكترونية وتحديد هوية مرسلهاوالتغلب علي وسائل وحيل اختراق هذه الأجهزة والتلاعب فيما ترسله ومن ثم سوف تظلالكتابة الإلكترونية والتوقيع الإلكتروني لا ترقي بحال من الأحوال في مجال صحةالاتفاق علي التحكيم وإثباته للدليل الكتابي لأنها ليست قانونية بقدر كونها مسألةسلامة ودقة تقنية متطورة دائماً يقابلها تقنية مضادة ومتطورة أيضاً لإهدارمصداقيتها وسوف تبقي هذه المصداقية سلطة تقدير في النهاية لهيئة التحكيم تصعبالرقابة عليها.
الفقــرة الثانيــة: أركـان شـرط التحكيــم واستقلاليتــه.
لما كان شرط التحكيم هو “الاتفاق الذي يلتزم فيه أطراف عقد بأن يعرضوا على التحكيم النزاعات التي قد تنشأ عن العقد المذكور”، فإن هذا الاتفاق لكي ينتج آثاره القانونية، يستلزم أن يكون موجود شكلا وصحيح موضوعا، كما أن وجوده وصحته يستلزمان توفر أركان وشروط لذلك، وإذا ورد شرط التحكيم صحيحا ومنتجا لأثاره، فما هي علاقته بباقي البنود الأخرى الواردة في العقد الأصلي، هل يتأثر بها أم هو مستقل عنها خصوصا إذا عرفنا أن محل العقد الأصلي ليس هو محل شرط التحكيم.
أولا: أركان شرط التحكيم.
حيث إن المشرع المغربي أطر صحة اتفاق التحكيم بعدة فصول من قانون التحكيم رقم 05-08 وهي الفصول 308، 309 و 310 ثم الفصلين 316 و 317، حيث تحدث في الفصل 308 عن أهلية المحتكمين في إبرام اتفاق التحكيم في الحقوق التي يملكون حرية التصرف فيها، أما الفصول 309 و 310 فعدد فيها المشرع المنازعات التي لا يمكن أن تكون محلا لاتفاق التحكيم، أما الفصل 316 فإن المشرع في تعريفه لشرط التحكيم على أنه اتفاق، فإنه استلزم أن يبنى هذا الاتفاق على رضا الطرفين وإرادتهما الكاملة في اللجوء إلى التحكيم، ثم جاء في الفصل 317 لينص على الشروط الشكلية لاتفاق التحكيم.
ومن خلال استقرائنا لما ورد في هذه الفصول سنجد أن المشرع المغربي استلزم لصحة شرط التحكيم أو اتفاق التحكيم أركانا عامة لا يقوم إلا بوجودها وهي نفس الأركان اللازم توافرها لكافة الاتفاقات والعقود والتي أوردها المشرع في نطاق النظرية العامة للعقد[23] وهي الرضا والمحل والسبب ثم الأهلية إلى جانب شروط خاصة تتعلق بخصوصية شرط التحكيم.
ويتم إبرام شرط التحكيم شأنه شأن أي اتفاق أخر بوجود الرضا، وهو توافق إرادتين على إحداث أثر قانوني يتم باقتران القبول بالإيجاب، ومن تم فشرط التحكيم قوامه وعموده الفقري هو الإرادة الحرة فإذا انتفت هذه الإرادة تماما كان الاتفاق معدوما، أما إذا كانت الإرادة صادرة ممن يملكها ولكنها معيبة أو مشوبة بغلط أو تدليس أو إكراه فإن الاتفاق على التحكيم يكون باطلا، كما يتعين أن تكون إرادة الأطراف صادرة من ذي أهلية، وأن يكون محل الاتفاق ممكنا ومعينا أو قابلا للتعيين وقابلا للتعامل فيه، وأن يكون السبب موجودا ومشروعا، هذا بخصوص الشروط العامة التي نحيل بشأنها إلى قواعد القانون المدني، إلا أن الخصوصية التي يتمتع بها نظام التحكيم برمته والذي يشبه إلى حد ما نظام القضاء، يجعل لشرط التحكيم باعتباره حجر الأساس للسير في العملية التحكمية شروطا خاصة ينعقد بتوافرها ويبطل بانعدامه
يمكن تقسيم هذه الشروط إلى قسمين وقد تم تبيانها من خلال القسم الأول وهي الشروط الشكلية وتشمل:
– أهلية التصرف في الحق المتنازع فيه.
– والكتابة.
ثم الشروط الموضوعية وتتمثل في :
– تعيين المحكمين أو تحديد طريقة تعيينهم.
– صلاحية الحق المتنازع فيه كمحل لاتفاق التحكيم.
ثانيا: استقلاليـة شرط التحكيـم وآثاره
1- استقلاليـــة شـــرط التحكيــم:
هذا المبدأ الذي استقرت عليه جل التشريعات ونصت عليه جل الاتفاقيات الدولية التي نظمت التحكيم، كما نص عليه المشرع المغربي بصراحة تامة في الفصل 318 من القانون رقم 05-08 الذي ورد فيه أنه: « يعتبر شرط التحكيم اتفاقا مستقلا عن شروط العقد الأخرى، ولا يترتب عن بطلان العقد أو فسخه أو إنهائه أي أثر على شرط التحكيم الذي يتضمنه إذا كان هذا الشرط صحيحا في ذاته».
ونص عليه أيضا المشرع المصري بنفس عبارات المادة 318 من القانون رقم 05-08 وذلك في المادة 23 من قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994
وبالتالي، فإذا ورد شرط التحكيم في العقد الأصلي فإنه يستقل عن هذا العقد فهو تصرف قانوني مستقل بذاته وإن ضمن بين بنود العقد، وبعبارة أخرى شرط التحكيم هو عقد داخل عقد أخر، وفي حال التسليم باستقلالية شرط التحكيم عن العقد الأصلي فإنه تترتب عنه الآثار التالية:
2- آثــار استقلاليــة شــرط التحكيــم:
أ- إمكانية اختلاف مصير شرط التحكيم عن مصير العقد الأصلي:
فصحة شرط التحكيم أو حتى فسخه وإنهائه لا يتوقف على ما يمكن أن يشوب العقد الأصلي من جزاءات كالبطلان أو الفسخ أو الإنهاء.
وعلى هذا فإنه يتصور بطلان العقد الأصلي وصحة شرط التحكيم إلا إذا كان سبب البطلان أو الإبطال يشمل أيضا شرط التحكيم، كما لو كان العقد قد أبرم بواسطة شخص عديم الأهلية أو ناقصها، وهذا يعني أنه عندما يتم التصريح ببطلان العقد الأصلي، فعندئد يمكن التمسك بصحة شرط التحكيم، وبالتالي السير في إجراءات التحكيم وحسم النزاع من قبل المحكم وليس من قبل المحكمة، أما إذا كان العقد صحيحا وكان شرط التحكيم باطلا، ففي هذه الحالة يمكن لكل من الطرفين اللجوء إلى القضاء، ولا يمكن اللجوء إلى التحكيم لبطلان الشرط الذي يحيل إلى التحكيم، ويلاحظ أن شرط التحكيم قد يكون باطلا لعيب ذاتي فيه رغم صحة العقد الأصلي[24].
ونتساءل من أين يستمد شرط التحكيم هذه الاستقلالية؟
يمكننا أن نلتمس الجواب لهذا السؤال في القواعد العامة للقانون المدني، فقد نجده في نظرية انتقاص العقد، هذه النظرية التي تفترض أن العقد الأصلي ليس باطلا بأكمله بل في جزء منه، فيزول الجزء الباطل ويبقى الجزء الصحيح، وعليه نستطيع القول بموجب هذه النظرية أنه إذا كان العقد الأصلي الذي تضمن شرط التحكيم باطلا، فإن الشرط الخاص بالتحكيم قد يبقى صحيحا إذا توافرت شروط صحته وهو يمثل اتفاق مستقلا، وأن الشرط المذكور لا يتأثر ببطلان العقد الأصلي، وبمفهوم المخالفة، فبطلان شرط التحكيم يبقي معه العقد الأصلي في بنوده الأخرى صحيحا، ولا يفوتنا أن بطلان العقد الأصلي قد يتبعه بطلان شرط التحكيم في حالة انعدام أهلية أطراف العقد[25].
هذه النظرية التي أخذت بها التشريعات العربية منها التسريع المغربي في قانون الالتزامات والعقود الذي ينص على هذه النظرية بدقة ووضوح في المادة 307 منه التي جاء فيها «أن بطلان جزء من الالتزام يبطل الالتزام في مجموعه إلا إذا أمكن لهذا الالتزام أن يبقى قائما بدون الجزء الذي لحقه البطلان، وفي الحالة الأخيرة يبقى الالتزام قائما باعتباره عقدا مميزا عن العقد الأصلي».
وبنفس الوضوح تنص المادة 1446 من قانون المرافعات الفرنسي أنه: ” إذا كان الشرط باطلا فإنه يعتبر لا وجود له” وهو ما يعني أنه إذا بطل شرط التحكيم فإنه يزول دون العقد الذي أتى ضمن بنوده فيبقى بذلك العقد الأصلي قائما بكل بنوده إلا شرط التحكيم.
ولكن ومع ذلك، ففي حالة ما إذا أفصح الأطراف على أن شرط التحكيم شرطا جوهريا لرضائهم بباقي بنود العقد، فإن بطلان الشرط يؤدي إلى بطلان العقد.
وفي هذا الإطار، وضع القضاء الفرنسي حدا للجدل الذي ثار بصدد مبدأ استقلالية شرط التحكيم عن العقد الأصلي الذي يتضمنه في قرار له صادر عن محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 07 مارس 1963 حيث أقر صراحة بمبدأ استقلالية شرط التحكيم عن العقد الأصلي في التحكيم الدولي فقد جاء في الحكم المذكور:
“إن اتفاق التحكيم في التحكيم الدولي سواء أكان قد تم بشكل منفصل أو في التصرف القانوني الذي له علاقة به، يعتبر دائما إلا في ظروف استثنائية مستقلا استقلالا تاما ولا يمكن أن يتأثر بعدم صحة التصرف القانوني المذكور”[26]
وبعد هذا الحكم توالت أحكام القضاء الفرنسي لتأكد هذا المبدأ صراحة، حيث جاء القانون السويسري لينص بدقة على هذا المبدأ في الفقرة الثالثة من المادة 178 التي نصت أنه لا يمكن الطعن في صحة اتفاق التحكيم بسبب عدم صحة العقد الأصلي أو أن اتفاق التحكيم يتعلق بنزاع لم يحدث بعد.
ب- إعطاء المحكم المعين الاختصاص للنظر في اختصاصه:
وانطلاقا من هذا المبدأ الذي عرفه القضاء الفرنسي بعبارة Compétence de Compétence، فإن المحكم (أو هيئة التحكيم) هو المختص بالنظر في إبطال أو بطلان العقد الأصلي أو فسخه أو إنهائه إعمالا لشرط التحكيم الصحيح الوارد في العقد، على اعتبار أنه يستمد ولايته من شرط التحكيم المستقل عن العقد محل النزاع، وبالتالي فالتمسك بعدم اختصاص هيئة التحكيم استنادا إلى أن العقد الأصلي الذي يتضمن شرط التحكيم باطل أو قد انتهى بالفسخ أو منعدم لا ينتج أي أثر، فهذا الجزاء الذي قد يطال العقد الأصلي لا يمنع من إعمال شرط التحكيم الوارد فيه، وذلك ما لم يكن الطرفان قد اتفقا صراحة في العقد أن فسخ العقد أو إنهائه ينصرف إلى كل بنود العقد بما فيها شرط التحكيم، فعندئذ يلحق الإنهاء أو الفسخ هذا الشرط أيضا.
وخلاصة القول على البنوك الإسلامية أن تحرص على ضبط عقودها وصياغتها صياغة متقنة، مع التفصيل الجيد في العقود إلى الحد الذي يغطي جميع أحكام وشروط العقد، وأن تتضمن هذه العقود الإشارة الصريحة إلى إلتزام أحكام الشريعة الإسلامية، والإهتمام بصياغة عقود المعاملات المالية الإسلامية يحميها من سوء التفسير ولتفادي النزاع، واعتماد التفصيل الوافي في صياغة الشروط، ولاسيما تلك التي تختلف فيها أحكام الشريعة الإسلامية، والقانون الوضعي اختلافا بينا.[27]
خاتمة
لقد أصبح الإحتكام إلى مبادئ الشريعة الإسلامية أمرا واقعا، سواءا من خلال الدراسات القانونية الأكاديمية التي ترى في الشريعة منهجا عادلا لفض النزاعات، أو من قناعة رجال الأعمال بمرونة وعدالة، وإنصاف قواعد الشريعة الإسلامية، وذلك لقدرة هذه الأخيرة على تحقيق التوازن في الحقوق والواجبات وتشبتها بمبدأ العدل، والإنصاف كأمر ثابث وهو مبتغى كل الجهات العاملة في الحقل المالي.
فبعد أكثر من ثلاثين سنة من ممارسة الصناعة المالية الإسلامية عموما، والعمل المصرفي الإسلامي المنظم خصوصا، وبعد صدور مئات الفتاوى في مجالات شتى من فقه المعاملات، توافرت في الوقت نفسه طاقات متمرسة في استيعاب القضايا المصرفية المعاصرة، واقتراح الحلول الشرعية المناسبة لها, كما برزت الحاجة في السنوات الأخيرة إلى فض النزاعات الخاصة بالمعاملات التجارية عموما والمالية خصوصا، إلى إيجاد آليات تعتمد على الشريعة الإسلامية وذلك لتعاضم دور المؤسسات المالية الإسلامية على الساحة الدولية، وعدم مواكبة القوانين الوضعية للإستيعاب بعض خصائص العمل المصرفي الإسلامي.
وتجدر الإشارة بأنه صدرت في السنوات الأخيرة عن المحاكم البريطانية وغيرها من المحاكم بعض الأحكام تميزت بعدم الدقة في توصيفها للمعاملات المالية الإسلامية، وهذه الأحكام بالرغم من عدم دقتها فإنها ستشكل مرجعا وسوابقا قد تؤثر في فقه القضاء في السنوات المقبلة، ما دعا إلى أيجاد بدائل عملية تأخد بعين الإعتبار خصائص فقه المعاملات، وتستجيب للطلب المتزايد على الخدمات المالية الإسلامية عبر العالم.
لقد حاول المشرع المغربي تنظيم الوساطة البنكية بنصوص قانونية على غرار جل التشريعات، إلا أن الملاحظ هنا هو المشرع قد خصها بعدد قليل من النصوص لا يتجاوز خمسة عشر فصلا وهو ما يدفعنا إلى التساؤل عن ما هو القصد التشريعي من هذا الأمر هل هو دليل على عدم أهميتها من الناحية العملية كالتحكيم مثلا؟ أم أن الأمر لا يستدعي أصلا تنظيمها بنصوص أخرى مادام أن المشرع قد أحال على المقتضيات العامة فيما يخص بعض القواعد الخاصة بها؟ والتساؤل المهم مهو المتعلق بموضوع بحثنا والمثمثل في عدم مراعاة المشرع المغربي لخصوصيات عمل البنوك الإسلامية؟ فإعطاؤها تسمية البنوك التشاركية وإخضاعها للإنخراط في المجموعة المهنية للبنوك تجعلنا نطرح التساؤل حول استقلالية هذه النوعية من البنوك وإفرادها بتنضيم خاص، خصوصا فيما يتعلق بمجال التحكيم؟
بالإضافة إلى غموض بعض النصوص والترجمة التي تبقى في نظرنا محل انتقاد، وهو ما يقودنا إلى مطالبة المشرع بالتدخل لتحسين نصوص الوساطة الاتفاقية بتصحيح بعضها وإضافة البعض الآخر، حتى تكون منظمة بشكل دقيق وبالتالي إبراز مكانة الوساطة البنكية كوسيلة بديلة لحل المنازعات حتى يتحقق الهدف منها الذي هو تخفيف الضغط على القضاء العادي، وتشجيع البنوك الإسلامية وزبنائهاعلى فض نزاعاتهم وديا وداخل مؤسستهم البنكية دون اللجوء إلى مراكز التحكيم الخارجية.
د. مولاي مراد القادري
[1] الفصل 61 من مشروع قانون الأبناك التشاركية.
[2] الفصل الأول من ميثاق البنوك المتعلق بإحداث الوساطة البنكية.
[3] الفصل الثاني من ميثاق البنوك المتعلق بإحداث الوساطة البنكية.
[4] الفصل الثالث من ميثاق البنوك المتعلق بإحداث الوساطة البنكية.
[5] ظهير شريف رقم 169-07-1 صادر في 19 ذي القعدة 1428 موافق 30 نونبر 2007 بتنفيذ القانون 08-05 القاضي بنسخ وتعويض الباب الثامن من بالقسم الخامس من قانون المسطرة المدنية، الجريدة الرسمية عدد 5584.
[6] عبد الحنان العيسي، التحكيم في نزاعات المؤسسات المالية الإسلامية ،دراسة فقهية مقارنة مع قانون التحكيم السوري، مجلة التحكيم العالمية العدد 20 ، 2013 ص 225،226.
[7] المادة 9 و 10 من النظام الأساسي ولائحة إجراءات التحكيم والمصالحة للمركز الإسلامي الدولي للمصالحة والتحكيم.
[8] حارث عبد العالي: أطروحة حول شرط التحكيم في المادة التجارية على ضوء العقود النموذجية والاتفاقيات الدولية ص 11
يلاحظ أن المشرع الفرنسي كان يجيز شرط التحكيم فقط في المواد التجارية ويعتبره باطلا في المواد المدنية إلى حدود 15-01-2001 حيث أجاز شرط التحكيم في غير المواد التجارية إذا كان بين المهنيين د فتحي والي قانون التحكيم في النظرية والتطبيق ص 91
[9] قانون المرافعات المدنية رقم 27 لسنة 1994
[10] United Nation Commission On International Trade Law – (لجنة الأمم المتحدة لقانون التجارة الدولية)
[12] حارث عبد العالي م س
[13] حارث عبد العالي م س
[14] د محمود السيد عمر التحيوي ” التحكيم الحر والتحكيم المقيد ص 32
[15] عبد الحنان العيسي، التحكيم في نزاعات المؤسسات المالية الإسلامية ،دراسة فقهية مقارنة مع قانون التحكيم السوري، مجلة التحكيم العالمية العدد 20 ، 2013 ص 236
[16] أشرف العاصىمحامى ومدير مركز العاصى للتحكيم التجارىالدولى
[17] حسب التعديل الأخير بمقتضى قانون رقم 05-08
[18] أنظر بخصوص الاحالة إلى الدكتور فتحي والي في مؤلفه قانون التحكيم في النظرية والتطبيق ص 79 إلى 102
[19] حارث عبد العالي م س ص 102
[20] المادة 317 من قانون التحكيم المغربي 05-08
[21] ينص الفصل 424 على ما يلي: “الورقة العرفية المعترف بها ممن يقع التمسك بها ضده أو المعتبرة قانونا في حكم المعترف بها منه، يكون لها نفس قوة الدليل التي للورقة الرسمية في مواجهة كافة الأشخاص على التعهدات والبيانات التي تتضمنها”
[22] حارث عبد العالي م س ص122
[23] الفصل الثاني من قانون الالتزامات والعقود
[24] فتحي والي م س ص 94
[25] فوزي سامي: التحكيم التجاري الدولي
[26] د فتحي والي م س
[27] عبد الحنان العيسي، التحكيم في نزاعات المؤسسات المالية الإسلامية ،دراسة فقهية مقارنة مع قانون التحكيم السوري، مجلة التحكيم العالمية العدد 20 ، 2013 ص 241