قَلما اصطدم المتتبع المسلم اليوم بدراسات أو أبحاث محسوبة على المجال التداولي الإسلامي، تبدي وجهة نظر أبناء هذا المجال بخصوص تحديات كونية، نشترك فيها مع باقي ساكنة المعمور، من قبيل التحدي البيئي أو التحدي الصحي أو التحدي النووي، أو تحدي أخلاقيات البحوث الطبية.. إلخ.
وفي أحيان كثيرا، عندما نأخذ بعين الاعتبار طبيعة تأمل المتتبع الغربي لجديد إصدارات وأبحاث المجال التداولي الإسلامي، قد يتوهم هذا المتتبع، وله عذره في ذلك، أن أهل المجال التداولي الإسلامي، أو بعضه على الأقل لا يخاطبون إلا أنفسهم، مع أن البشرية تتسع لحضارات وشعوب وقبائل وأعراف، وبالتالي، تعيش على إيقاع تحديات جمة تهم هذا واقع ومستقبل هذا الكويكب الأرزق.
ومعلوم أن تميّز العقول الكبيرة كونها تشتغل على أفكار تخدم مصلحة الإنسانية جمعاء، وليست أفكارا تخدم فقط مصالح الجماعة التي تنتمي إليها هذه العقول.
ظاهرة الفيديوكليب ومطرقة المسيري
من بين الأقلام الإسلامية التي يُحسب لها التنظير لأدبيات تخدم الإنسانية جمعاء وليس الجماعة التي تنتمي إليها، نجد الراحل عبد الوهاب المسيري، ومن يقرأ، على سبيل المثال لا الحصر، ما جاء في مبحث رصين لهذا المفكر الموسوعي، ويحمل عنوان: “الفيديوكليب والجسد والعولمة”، سيخلُص لا محالة إلى أن تفكيك المسيري لموضة الفيديوكليب، لن يستفيد منه فقط المتلقي المصري، ولكن سوف يستفيد منها أيضا المتلقي الياباني والبرازيلي والأوغندي والأسترالي..إلخ.
لنتأمل هذه النصوص العابرة التي جاءت في المبحث المؤرخ في 8 أبريل 2004 بصحيفة الأهرام المصرية:
1 ــ “الإنسان الجسماني الاستهلاكي المنشغل بتحقيق متعته الشخصية يدور في دائرة ضيقة للغاية خارج أي منظومات قيمية اجتماعية أو أخلاقية، ولذا نجد أن ولاءاته للمجتمع وللأسرة تتآكل بالتدريج، كما أن انتماء مثل هذا الشخص لوطنه ضعيف للغاية إن لم يكن منعدما، والآن انظر لخلفية الفيديو كليب ستجد أنها لا أرض لها ولا وطن، فأحيانًا الخلفية هندية، وأحيانًا أخرى أمريكية، وثالثة أوروبية، والبنات فى معظم الأحيان شقراوات، وحتى لو كن من بنات البلد فما يرتدينه (أو لا يرتدينه) من ملابس لا علاقة له بما نعرفه في حياتنا، كما أن أبطال الفيديو كليب عادة يركبون سيارات فارهة وأحيانا يظهرون في قصور، وكل هذا بطبيعة الحال يصعد الشهوة الاستهلاكية ويضعف الانتماء”؛
2 ــ إن القنوات الفضائية التي تذيع الفيديو كليبات تصل إلى منازلنا وأحلامنا وتعيد صياغة رؤانا وصورتنا للآخرين ولأنفسنا، ودافعها الوحيد هو الربح المادي، وليس الاستنارة أو تعميق إدراك الناس لما حولهم، فهي مشاريع رأسمالية طفيلية يبحث عن الربح الذي أدى إلى التنافس بين المخرجين والمغنين والممولين والذي لم تكن نتيجته الارتقاء بالمستوى الفني والجمالي، وإنما المزيد من الإسفاف والاغتراب والعرى الذي سيتزايد حتما مع الأيام، ومن يود أن يعرف إلى أين نحن ذاهبون عليه أن يرى محطة MTV وبعض الفيديو كليبات الأمريكية التى تحول الإنسان إلى ما أسميه البروتين الإنساني المحض”. (نجدد التذكير أن الدراسة مؤرخة في ربيع 2004، ولنا أن نتصور ما الذي يجري اليوم، مع الفورة الإعلامية في فضائيات الفيديوكليب).
المسالة الفنية بأعين بيغوفيتش
من الأسماء المحسوبة على المجال التداولي الإسلامي، تلك التي روجت لأطروحات تخدم الإنسانية جمعاء، نجد أيضا، الراحل علي عزت بيغوفيتش، والذي اشتهر لدى المتتبع العربي والمسلم بأداءه السياسي أكثر من أداءه المعرفي، والحال أن العمل السياسي ظرفي وعابر، في حين أن الإنتاج المعرفي يمتد لأبد الأبدين.
في ثنايا رائعة الراحل التي تحمل عنوان: “الإسلام بين الشرق والغرب”، نطلع على قراءة راقية بخصوص القضية الفنية، أو القضية التي لا زالت تنتظر معالجات أبناء مجالنا التداولي، هنا في المنطقة العربية على الأقل، ونحسبُ أن الدراسة سالفة الذكر للمسيري، أجادت وأفادت في هذا السياق.
إن ما يخبرنا الفن، والتقييم لبيغوفيتش، “شيء يفوق قدرتنا على التصديق، كأننا إزاء رسالة دينية، كما هو الحال مع اللوحات الجصية اليابانية القديمة، أو قطعة من فن الأرابيسك الإسلامي على مدخل فناء قصر الحمراء بغرناطة، أو قناع من جزر الميلانيزيا، أو رقصات قبيلة في أوغندا، أو لوحة يوم الحساب لمايكل أنجلو.. أو أغنية روحية زنجية، ولسوف نجرب شيئا غامضا ملغزا فوق المنطق والمعقول كما تشعر في الصلاة: ألا يبدو عمل من أعمال الفن التجريبي لا عقلي ولا علمي كأنه شعائر دينية؟ إن اللوحة الفنية بشكل ما، هي نوع من أنواع الشعائر مرسومة على قماش، كما أن السمفونية شعائر لحنية”. (يمكن العودة بالتفصيل لاجتهاد علي عزت بيغوفيتش في الكتاب، وهو اجتهاد، مؤسس، حسب مترجم الكتاب، الأستاذ محمد يوسف عدس، على “قدرة بيغوفيتش التحليلية التي أطلعتنا على حقائق لم تستلفت انتباهنا من قبل أو نضعها في موضعها الصحيح. ويتسق منهجه التحليلي في تقصي الحقائق مع هدفه الذي عبر عنه بقوله: “لكي نفهم العالم فهما صحيحا لابد أن نعرف المصادر الحقيقية للأفكار التي تحكم هذا العالم وأن نعرف معانيها”. أنظر: “الإسلام بين الشرق والغرب”. ترجمة محمد يوسف عدس. مجلة النور الكويتية ومؤسسة بافاريا للنشر والإعلام والخدمات، ميونيخ، توزيع مؤسسة العلم الحديث بيروت، ط 1، يناير 1994).
النظرة الغليظة والرقيقة للأشياء
نأتي الآن لأحدث الدراسات الصادرة عن أقلام محسوبة على المجال التداولي الإسلامي، ويُحسبُ لها على الخصوص، تمرير اجتهاد إسلامي صريح المرجعية بخصوص مواجهة بعض تحديات الساعة، ونتحدث عن اجتهاد سَطّر خطوطه العريضة طه عبد الرحمن في موضوع البحث في الخلايا الجذعية، كما جاء في الفصل الثامن من كتابه حديثه الإصدار: “سؤال العمل: بحث عن الأصول العملية في الفكر والعلم. (صدر الكتاب مطلع العام الجاري 2012، عن المركز الثقافي العربي، بيروت ـ الدار البيضاء، ط 1، وجاء الفصل تحت عنوان: “البحث في الخلايا الجذعية.. بين إرادة الخلود ومحنة الجنين”، من ص 255 إلى ص 294 من الكتاب).
لعل أهم مفتاح مفاهيمي يُساعد القارئ على فهم أطروحة طه عبد الرحمن بخصوص البحث في الخلايا الجذعية، يكمن في التفريق بين ما يصفه بـ”النظرة الغليظة” و”النظرة الرقيقة”؛
ويقصد هذا الفيلسوف المجدد بالنظرة الغليظة إلى الأشياء، “نزوع العقل إلى تقدير قيمة الأشياء بحسب أحجامها وأشكالها، مقدّما كبير الحجم وجليّ الشكل على صغير الحجم وخفي الشكل، وما أصغر حجم الجنين وما أخفى شكله، وهو في الخامس من أيامه، قياسا بحكم البالغ الذي لا يزيد إلا كِبَرا، وبشكله الذي لا يزيد إلا جلاء مع تطاول العمر”. (ص 264)
مُتصفح ثنايا هذا الفصل يطلع بالتفصيل على تبعات تبني “النظرة الغليظة” إلى الأشياء والتي وجَّهت موقف الداعين إلى الاشتغال بالبحث في مجال الخلايا الجنينية، وتفيد أنه “بسبب ضعف خلقته، حجما وشكلا، يبدو أدنى من أن تكون له كرامة مخصوصة تورّثه حقوقا في حفظ حياته وحماية تطوره، لذلك، فإن نزول الأمراض والآلام به يَحُطّ من كرامته، فيلزم دفعُ هذه المفاسد عنه بتحصيل الخلايا الجذعية من الجنين، حتى يستعيد تمام هذه الكرامة”. (ص 265)، والحال، يضيف صاحب “سؤال العمل”، أن الجنين الابتدائي، على “حجمه القليل وشكله الضئيل، ليس، بالضرورة، أضعف خلقه من البالغ؛ فإذا كانت الغاية من إتلاف هذا الجنين هو إنقاذ المرضى من التنكُّس، فالغالب أن يكون المتلقي شيخا هرِما ضعُف عن أسباب الحياة”، كما أن “الجنين بخلاياه الجدعية ذات القدرات المتعددة يبدو، للمفارقة، أقوى خلقه من البالغ ذي الخلايا المترهلة التي فَقَدت صبغياتها (chromosomes)، (ص 265) ليخلص فيما بعد إلى أن “إتلاف الجنين الابتدائ، طلب للوقوف عل أسباب الخلود الجسدي، لا يمكن ان يصحَّ من الناحية الأخلاقية”. ( ص 266) وكما تَعوّد قارئ أعمال طه عبد الرحمن، غالبا ما يأتي بالبديل بعد الانتهاء من مرحلة التقييم والتقويم، وجاء البديل الذي نحسبُ أنه يخدم الإنسانية جمعاء، أو السبيل إلى إثبات أن للجنين الابتدائي كرامة كما للبالغ كرامة، من خلال دعوة المؤلف إلى حتمية التخلص من مقتضيات “النظرة الغليظة” للعقل والتي تلازم إرادة الخلود الجسدي، بأن نستبدل مكانها ما يسميه بـ”النظرة الرقيقة إلى الأشياء”، وتفيد هذه النظرة الرقيقة، على الأقل في الجانب الخاص بالجنين الابتدائي، اجتهاد العقل في أن “يُقدّر الأشياء، لا بحسب أحجامها وأشكالها، وإنما بحسب أصولها ومآلاتها، بحيث يجوز أن يكون للشيء ذي الحجم الصغير أو ذي الشكل الخفي من سُمُوِّ القيمة وعمق المعنى ما ليس للشيء ذي الحجم الكبير أو ذي الشكل الجلي”. (ص 267).
الجنين الابتدائي والكرامة الآدمية
يُفرق طه عبد الرحمن بشكل جلّي بين التعريف الحداثي لمفهوم الكرامة والتعريف الإسلامي؛
فبالنسبة للكرامة الآدمية بالمفهوم الحداثي، يلجأ المؤلف إلى صياغة معنى الكرامة هنا، الذي غلب استعماله عند المحدثين، علمانيين كانوا أو متدينين، وهو، بالذات، المعنى الذي وضعه لها الفيلسوف الألماني البروتستناني إيمانويل كانك، ومفاده أن “الكرامة هي القيمة التي تورِّث الشخص الإنساني الحق في التمتع بمعاملة تجعل منه غاية في ذاته، لا مجرد وسيلة لغيره”. (ص 271)، وواضح أن المسيحيين من أهل النظرة الرقيقة، سوف يرحبون بهذا التعريف الإجمالي للكرامة، حتى رأوا فيه أنه ينطبق على حالة الجُذيعة أو الجنين الابتدائي.
وبعد أن فرغ طه عبد الرحمن من تبيان كيف أن مفهوم الكرامة عند المسيحيين تأثر بالتصور العلماني لها بما جعلهم بنسبون إلى الأجنة من الكرامة ما هو أولى بأن يُنسب إلى البالغين، ينتقل إلى بيان كيف أن النظرة الرقيقة الإسلامية تميّز في الكرامة أنواعا مختلفة يصدق بعضها على الجنين، بما يتطلب وضع تعريف للكرامة الآدمية بالمفهوم الإسلامي، وجاء كالتالي: “الكرامة هي القيمة التي تجعل من الخَلْق الآدمي دالّة على الفطرة، لا مجرّد ظاهرة متمتعة بالحياة”. (ص 274)؛ وتأسيسا على هذا التعريف، يخلص طه إلى بعض النتائج الهامة، أهمها أن “الجنين الابتدائي ليس مجرد تشُكلات خَلقية، بل هو أيضا تهيؤات خُلُقية”؛ ومنها أيضا أن “الذي يُقدم على إتلاف الجنين الابتدائي لا يُتلف تشكّلات خَلقية هيّنة فحسب، بل يتلف أيضا تهيؤات خُلُقية قيّمة”. (ص 275).
جنين ابتدائي بثلاث كرامات
من هذا الذي يستحضر أن للجنين الابتدائي، ثلاث أنواع من الكرامات؟ ومتى اطلعنا في مبحث أكاديمي أو دراسة علمية أو حتى مقال علمي في المجلات العلمية الغربية عن وجود ما لا يقل عن ثلاث أنواع من الكرامات لدى هذا الجنين الابتدائي؟
سؤال يجيب عنه فصل “البحث في الخلايا الجذعية.. بين إرادة الخلود ومحنة الجنين” في كتاب “سؤال العمل”، حيث يُوضّح فيلسوف الأخلاق معالم أنواع الكرامات الآدمية في المنظور الإسلامي، وحدّدها في ثلاثة عناصر:
1 ـ هناك أولا الكرامة التقديرية: وهي “القيمة التي يُورثها للخلق الآدمي قضاء الله بأن يكون وجوده وسلوكه على مقادير مخصوصة”؛ (ص 280).
ونقتطف من تفاصيل هذا النوع الأولي من التعريف، الزهرة المعرفية التالية: إن القول بكرامة التقدير يرفع الإشكال المعوَّص الذي وقع فيه الكثيرون من المتدينين، وهو تعليق كرامة الآدمي بنفخ الروح فيه، على اختلاف بينهم في تحديد فترته بحسب أديانهم أو اجتهاداتهم؛ (ص 282)؛
كما أن القول بهذه الكرامة لا يَرد عليه الاعتراض الذي يَرِد على قول الكاثوليك بحصول الجنين على مطلق الكرامة الآدمية منذ لحظة التلقيح الأولى؛ وهذا الاعتراض هو أن أصحابه يتعلقون بأصل الجنين وماضيه، ولا ينظرون إلى مآله ومستقبليه، وطه عبد الرحمن يشتبك معرفيا مع أطروحات تيد بيتيرس (Ted Peters)، أحد أبرز الأقلام الغربية المتخصصة في الموضوع. (ص 283)
2 ـ وهناك ثانيا الكرامة التكليفية: وهي “القيمة التي يُورّثها للآدمي انفراده بحمل الأمانة التي عرضها الخالق على جميع المخلوقات”؛ (ص 284)، حيث يلاحظ المؤلف في هذا الصدد مثلا، أن “النظرة الغليظة التي تُوجّه الباحث وكذا منازعته للإرادة الإلهية وعقيدته في التقدم العلمي، تجعله لا يتردّد في إتلاف الجنين الابتدائي، على اعتبار أنه غير إنسان، وإلا فلا أقل من أنه دون الإنسان”. (ص 286)
3 ـ وأخيرا، هناك الكرامة التفضيلية: وهي “القيمة التي يُورّثها للآدمي اجتهاده في التقرب إلى الذي قدَّر خَلقه وائتمنه على مخلوقاته، ممتحنا له”؛ (ص 288)، ويخلُص طه عبد الرحمن في هذا النوع الثالث والأسمى من تعريفات الكرامة الآدمية من منظور إسلامي، إلى أنه “لا يتمتع بهذا النوع من الكرامة إلا المرضى الذين رَقّت نظرتهم إلى الحياة بما جعلهم يُقدّمون، في حالات الآلام والأسقام، القيم المعنوية على القيم المادية، مستبدلين الخلود الروحي مكان الخلود الجسدي، فلا الأجنة الابتدائية تملأ عليهم دنياهم الواسعة، ولا خلاياها الجذعية تَسدّ عليهم أفقهم البعيد”. (ص 291)
وحاصل الكلام في هذا الفصل القيّم من كتاب “سؤال العمل”، والذي نحسبُ أن ترجمته للغات الحية، سوف يُفيد أبناء باقي المجالات التداولية في العالم، أن إرادة الخلود مُتمكنة في النفس البشرية، لولا أنها ضَلت طريقها، حيث إنها طلبت الخلود في نطاق الجسد بواسطة العلم الوضعي، بينما كان ينبغي أن تطلبه في نطاق الروح بواسطة العمل الصالح وما ذاك، يضيف طه عبد الرحمن، إلا لأن النظرة الغليظة التي تقف عند ظاهر الأحجام والأشكال طغت على العقول، فجعلتها تستهين بالأجنة الآدمية التي دقّت أحجامها وخَفيت أشكالها شأن الجُذيعات، فلا تبالي إن أعدمتها وهي موجودة في المخابر، أو أوجدتها لكي تُعدمها في التجارب، بغيةَ استثمارها في علاجات أمراض أرذل العمر، سعيا وراء إخلادٍ مستحيل.
لذلك، يضيف طه عبد الرحمن، كان لا مناص من التحول عن هذه النظرة القاصرة إلى النظرة الدقيقة التي تُعنى بأصول الأجنة الآدمية ومآلاتها، حتى تُقدّر حق قدرها، نظرا لأن هذه الأصول والمآلات تجعل الأجنة موصولة، لا بهذا العالم المرئي فحسب، بل أيضا بعوالم غير مرئية، سابقة ولاحقة، تَمُدُّها بقيم ومعان تسمو بها، على قِصر عمرها وضعف بنيتها؛ وإذ ذاك، نعلم يقينا أن الكرامة الإنسانية هي الكرامة التقديرية التي تمنحها حقوقا خاصة؛ كما نعلم قطعا أن الاعتداء على هذا الوجود يضرُّ بكرامة المعتدي أيما ضرر، وهي كرامة تكليف تضع على عاتقه واجبات مخصوصة؛ وأخيرا نعلم يقينا أن رفض هذا الاعتداء والصبر على البلاء، مَرضا كان أو هرما أو موتا، يورّثان كرامة التفضيل، وهي ترتقي بالحقوق إلى رتبة الواجبات؛ كل ذلك يوضح أن الكرامة، في المنظور الإسلامي، ليست مقصورة على هذا العالم، وإنما تتجاوزه إلى عوالم أخرى، ولا هي قيمة قائمة بالفرد، وإنما تتعداه إلى الآخرين، ولا هي كرامة واحدة، وإنما كرامات متضافرة قيما بينها قد تجتمع للفرد الواحد كما قد تشترك فيها الجماعة الواحدة.
ولا نعتقد أنه سبق للمتلقي الغربي أن اطلع على تنظير رصين لموضوع البحث في الخلايا الجذعية من طينة هذه المرجعية.
منتصر حمادة