انتشرت شبكة المعلومات الدولية «الإنترنت» في جميع أنحاء العالم، وأصبح الدخول إليها متاحاً من أي مكان وسهلاً ويسيراً، طالما توفرت تغطية من قبل الشركات المقدمة لخدمة الاتصالات، وما أكثر هذه الشركات الآن. وأصبح محتوى الإنترنت يخدم شرائح كبيرة وطبقات ضخمة من المجتمعات، وعلى سبيل المثال متابعة الأخبار والأحداث، ومواقع التواصل الاجتماعي، ووصفات الأكل، والبرامج الدراسية، وارتبطت هذه الشبكة بالكثير من الأعمال والمهن والخدمات.
يتسبب الاستخدام المفرط لشبكة الإنترنت في الإصابة بنوع من الإدمان، ويعتبر هذا الأمر حالة مرضية تعني عدم استطاعة المصاب بها التخلص من شيء معين، حيث إن هذا الشيء يكون خارج حدود إرادته.
ونتناول في هذا الموضوع مرض إدمان الإنترنت، والعوامل والمسببات التي تؤدي إلى ذلك، ونقدم سبل الوقاية والعلاج للتخلص من هذا الإدمان المرضي، الذي يؤثر سلباً في صحة المستخدم.
ساعات الإدمان
يعد إدمان الإنترنت مرضاً حديثاً، ظهر مع اختراع شبكة الإنترنت، وهو بالتالي يقتصر على مستخدم الشبكة، وتؤدي هذه الحالة إلى تغير سلوكيات وتصرفات المدمن.
ويدخل هذا الإدمان ضمن اعتياد الشخص على أمر معين، واستخدامه فترات طويلة دون استطاعته التخلص منه، وبسبب هذا الإدمان فإن المصاب يهمل حياته الشخصية ومهام عمله اليومي، ولا يستطيع الاندماج مع المجتمع، ويكون اهتمامه منصباً فقط على الإنترنت، ويعتبرها نافذته الوحيدة على العالم الذي يعيش فيه.
يعرف العلماء إدمان الإنترنت بأنه حالة نظرية من الاستخدام المرضي للشبكة، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات في السلوك.
وتشير الدراسات والأبحاث إلى أن هذه الظاهرة تنتشر على مستوى جميع المجتمعات، وذلك نتيجة توافر الأجهزة المتصلة بالشبكة سواء أجهزة حاسب آلي أو الهواتف الذكية.
وكان أول من وضع مصطلح إدمان الإنترنت هو الأمريكية كيمبرلي يونغ عالمة النفس، حيث عكفت على دراسة هذه الحالة، وبحسب يونغ فإن الشخص يعتبر مدمناً على الإنترنت إذا تجاوز استخدامه للشبكة من 38 إلى 40 ساعة أسبوعياً.
الأكثر استخداماً
تشير الدراسات والأبحاث إلى أن أكثر المجالات استخداماً في شبكة الإنترنت هو مواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك وتويتر، وبرامج المحادثات مثل الواتس آب وسكاي بي والفايبر، والمواقع الترفيهية مثل الألعاب ومواقع الأفلام، والمواقع السياسية والإخبارية والمواقع غير الأخلاقية.
وتعتبر الفئات الأكثر عرضة لإدمان الإنترنت من المراهقين، وذلك لأن الشبكة توفر لهم واقعاً افتراضياً خيالياً، يكون محبباً لهم خاصة في فترة المراهقة يعبر عن تطلعاتهم، ويعتبر الذكور أكثر عرضة للإدمان من الفتيات.
ويجد الشخص الانطوائي الذي لا يملك مهارات التعامل مع المجتمع أن شبكة الإنترنت توفر له التعامل مع أشخاص من خلف الشاشات، وهو ما يجعل حاجته للثقة بالنفس غير مطلوبة، ويمكن أن يصنع لنفسه شخصية غير شخصيته الحقيقية.
ويصاب بنسبة أكبر بالإدمان من يعانون الاكتئاب أو الوحدة والملل، وتنجذب كل شريحة من هذه الشرائح لمواقع بعينها، فالمراهقون ينجذبون إلى مواقع الألعاب والمواقع غير الأخلاقية، والأشخاص المصابون بالانطوائية يبحثون عن مواقع الدردشة، أما من يعانون الوحدة والملل فيبحثون عن مواقع التواصل الاجتماعي.
هروب من الواقع
أصبحت شبكة الإنترنت في واقعنا الحالي أسهل وسيلة للحصول على المعلومات، وهو ما يدفع الكثيرين إلى اللجوء إلى الإنترنت حتى يبحثوا عما يريدون، وعند البدء بالبحث عن موضوع ما يمكن أن ينتهي المطاف بقراءة العديد من المعلومات والموضوعات دون أن ينتبه للوقت الذي قضاه، أو يملك القدرة على التوقف.
ويلجأ الراغبون في تفريغ الرغبات المكبوتة لديهم إلى شبكة الإنترنت حيث إنها توفر لهم جانب السرية، بالإضافة إلى سهولة الاستخدام ويسر التعامل معها.
ويهرب الكثيرون من الواقع الذي يعيشون فيه إلى العالم الافتراضي على الإنترنت، وذلك للتخلص من الأفكار السلبية والواقع السيئ، ويدفع أمثال هؤلاء لأنهم يعانون الملل والفراغ والوحدة، كما يمكن أن يكون السبب مرورهم بتجارب حياتية أو عاطفية فاشلة وأصابتهم بالإحباط واليأس.
وأدى ظهور مواقع التواصل الاجتماعي إلى توفير أصدقاء افتراضيين في كثير من الأحيان يمكن التحدث معهم من مختلف البلدان، وهو ما جعل المصابين بالانطوائية والخجل يكتفون بهم عن الأصدقاء الحقيقيين.
توتر وقلق
يمكن معرفة إذا كان الشخص مصاباً بإدمان الإنترنت أو أنه في طريقه لهذا الأمر، وذلك من خلال عدد من الأعراض، حيث يقضي الشخص المصاب بهذه الحالة عدد ساعات أكثر من الفترة التي حددها لنفسه، ومن الجائز أن تزيد هذه المدة بصورة مطردة.
يصاب المدمن بالتوتر الشديد والقلق إذا حدث انقطاع في شبكة الإنترنت، وفي بعض الحالات يصل الأمر بالشخص إلى مرحلة الاكتئاب إذا استمر الانقطاع فترة طويلة، وعلى العكس يجد الشخص سعادة بالغة وراحة نفسية عندما يعود للاتصال بالشبكة.
يكثر الشخص المصاب من الحديث عن الإنترنت في حياته اليومية، ونتيجة لطول وجوده على الشبكة فهو يهمل واجباته الوظيفية والأسرية والاجتماعية.
ويفقد مدمن الإنترنت القدرة على التعامل مع ضغوط الحياة اليومية، أو مواجهة المشكلات، أو شغل وقت فراغه بهوايات مفيدة ومتنوعة، كما أنه يفقد القدرة على إقامة علاقات اجتماعية جيدة نتيجة الانطواء والخجل.
ويمكن أن يستيقظ من النوم بصورة مفاجئة ولديه رغبة ملحة لفتح البريد الإلكتروني أو رؤية قائمة المتصلين على الماسنجر، ولذلك فإن مدمن الإنترنت يعاني اضطرابات النوم.
تأثير سلبي
يعاني مدمن الإنترنت أعراضاً نفسية واجتماعية وجسدية تؤثر في كافة مناحي حياته، وتشمل الأعراض النفسية والاجتماعية المعاناة من الوحدة، والتأخر في عمله ودراسته، وبالتالي يصاب بالإحباط، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى إصابته بالقلق والاكتئاب. ويؤدي طول بقائه على الإنترنت إلى حدوث مشاكل أسرية، وفقدان للعلاقات الاجتماعية، ويصاب كذلك المدمن بأعراض جسدية تشمل التعب، والخمول والأرق والحرمان من النوم.
ويعاني المصاب بهذه الحالة آلاماً في الظهر والرقبة نتيجة طول فترة النظر إلى الهاتف الذكي أو الجلوس على الحاسب الآلي، وبسبب طول النظر في الشاشة فإنه عرضة كذلك للإصابة بالتهاب العينين.
ويتعرض مدمن الإنترنت لمخاطر الإشعاع الذي يصدر من شاشات الهواتف الذكية والحاسب الآلي، وتأثير المجالات المغناطيسية التي تصدر عن الدوائر الإلكترونية والكهربية.
ويؤثر زيادة استخدام الأطفال للإنترنت عليهم، حيث أشارت دراسات عديدة إلى أنه يصيب الطفل بالعزلة الاجتماعية، واضطرابات النوم ومشاكل في الدراسة.
كما أن كثرة دخول الأطفال إلى شبكة الإنترنت يمنعهم من ممارسة هوايات وأنشطة أخرى، يمكن أن تكون أكثر فائدة مثل ممارسة الرياضة والقراءة، ويصاب الطفل بنوبات من العصبية والغضب عند محاولة الوالدين وضع ضوابط لاستخدام شبكة الإنترنت.
طرق مختلفة
تختلف طرق علاج إدمان الإنترنت من شخص لآخر، وذلك حسب مدى خطورة المشكلة والرغبة في علاجها، ويمكن أن تصل بعض الحالات لدرجة العرض على طبيب نفسي، غير أن الكثير من المصابين يرفضون هذا الأمر.
ويمكن أن يعالج المدمن نفسه من خلال تقليل استخدامه للشبكة، كأن يتوقف عنها في أيام الإجازة، أو يستخدم الإنترنت عند الحاجة والمهام التي يحتاج إنجازها الدخول إلى الشبكة.
ويمكن أن يخصص وقتاً محدداً من خلال أن يكون الوقت قبل أداء التزام ما، كأن يخصص وقتاً محدداً قبل الذهاب إلى العمل أو الذهاب إلى اجتماع، ويساعد المدمن امتناعه عن بعض المواقع التي تساعد على الإدمان مثل مواقع التواصل الاجتماعي.
ويمكن اتباع عدد من الخطوات التي تساعد على التخلص من هذا الإدمان، وعلى سبيل المثال تأجيل قراءة الرسائل غير المهمة إلى وقت في منتصف الأسبوع.
ويمكن تحديد المهام المطلوبة قبل الدخول على شبكة الإنترنت حتى لا يضيع وقتاً كثيراً، وشغل الوقت بممارسة أنشطة مفيدة مثل الرسم أو ممارسة الرياضة.
تغييرات المناطق البيضاء
أشارت دراسة حديثة إلى أن معظم مستخدمي الإنترنت لا يستطيعون تقدير النقطة الفارقة بين الاستخدام الطبيعي وخطر السقوط في الإدمان.
وكانت دراسة أخرى أثبتت أن هناك اختلالات تحدث في وظائف الدماغ لدى مدمني الإنترنت، وهي تتشابه مع التي تحدث مع مدمني المخدرات والكحول، وبحسب القائمين بالدراسة فإن هذا الاكتشاف يساعد في التعرف إلى طرق جديدة لعلاج السلوك الإدماني.
وأجرى الفريق البحثي مسحاً دماغياً لعدد 55 رجلاً وامرأة تراوحت أعمارهم بين 15 إلى 25 عاماً، حيث تم تشخيص 17 حالة تعاني اضطرابات تتعلق بإدمان الإنترنت، وذلك من خلال الإجابة عن سؤال هل قمت بالمحاولة عدد من المرات للتحكم أو التوقف عن استخدام الإنترنت وفشلت؟ بنعم.
وأظهرت صور الأشعة بالرنين المغناطيسي أن هناك تغييرات في المناطق البيضاء من المخ، لدى من تم تشخيص حالتهم بأنهم مدمنون للإنترنت، وتعتبر هذه المرة الأولى التي تظهر تغيرات في الاتصالات العصبية في مناطق معينة بالدماغ.
وأكد الخبراء أن هناك حاجة للمزيد من الدراسات باستخدام عدد أكبر من الأشخاص من أجل التأكد من بعض الافتراضات، ووضع حلول عملية لعلاج هذه المشكلة التي تستفحل كل يوم.
جريدة “الخليج”