يرتبط مصطلح الإدمان عادة بالكحول والمخدرات إلا أن الإدمان يشمل كذلك الأدوية خاصة منها الخاصة بمواجهة الاضطرابات النفسية ولتسكين الآلام الشديدة والحادّة، وقد حذر الأطباء من أن بعض الأدوية يمكن أن تسبب الإدمان خاصة الأدوية التي تستخدم في علاج الأمراض النفسية واضطرابات النوم والقلق، التي وصفت آثارها بالإدمان الصامت.
لا توجد إحصائيات دقيقة تحدد عدد مدمني الأدوية على مستوى العالم، وقدر المركز الألماني لبحوث الإدمان عدد المدمنين على الأدوية في ألمانيا بما لا يقل عن مليون وخمسمئة ألف شخص، وهو عدد يبين مدى تعلق المرضى بهذه الأدوية الخطيرة ذات التأثير على وظائف خلايا المخ.
ونبه المركز ذاته إلى أن عدد المدمنين على الأدوية يفوق عدد المدمنين على الكحول في ألمانيا، لا سيما الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 65 عاما، إضافة إلى ذلك، فإن عددا كبيرا من مدمني الأدوية غير واعين بحقيقة إدمانهم، معتقدين أن الإنسان لا يمكنه الإدمان إلا على الكحول أو المخدرات.
وأشارت دراسة أجراها المستشفى الجامعي في هامبورغ إلى أن الأطباء يعطون وصفات طبية تحتوي على أدوية مهدئة أو مسكنة للآلام لمرضاهم لفترات أطول من المفترض، تصل معدلاتها إلى 132 يوما عوض الفترة المحددة والمتمثلة بين 8 و14 يوما. هذه الفترة الطويلة كافية لإدمان المريض.
وذكر غيرد غاليسكه، الباحث في قطاع الأدوية، في مجلة “Test” المهتمة بشؤون المستهلك، أن أربعة إلى خمسة بالمئة من الأدوية الموصوفة بشكل متكرر تجعل المريض يدمن عليها ومعظمها أدوية للنوم وأدوية مهدئة. كما حذر الخبير الطبي من مسكنات الآلام الشديدة التي تحتوي على مشتقات الأفيون، قائلا “في السنوات الأخيرة تضاعفت وصفات المسكنات الأفيونية إلى ثلاثة أضعاف”.
وأفاد الموقع الطبي الألماني “أبونيت” بأن ما بدأ أولا كعلاج مفيد للآلام الشديدة تحول في الغالب إلى إحدى حالات التعلق النفسي والسلوكي بهذه العقاقير الكيميائية.
ومن جانبها قالت هيئة اختبار السلع الألمانية إنه من الصعب التعرف على إدمان الدواء، ولكن يمكن الاستدلال عليه من خلال ملاحظة بعض العلامات التحذيرية، مثل عدم القدرة على النوم إلا بعد تعاطي قرص المنوم.
ومن العلامات الأخرى تعاطي كميات من الأدوية أكثر مما وصفه الطبيب؛ حيث أن تعاطي المزيد والمزيد من إحدى المواد الفعالة ينذر أيضا بالإدمان. وينبغي طلب استشارة الطبيب عند الاشتباه بالتعلق بأحد الأدوية.
وإلى جانب المنومات يمكن أن تتسبب أدوية أخرى في الإدمان، مثل الأمفيتامينات أو المُسكنّات القوية، فضلا عن بعض المواد التي يمكن الحصول عليها دون وصفة طبية. وينتج تأثير التعود على سبيل المثال عند استعمال البخاخ المزيل لاحتقان الأنف لأكثر من أسبوع، كما أن حبوب الصداع وأدوية الزكام المحتوية على الكافيين يمكن أن تتسبب في إدمانها.
وأكد الباحثون أن إدمان الدواء يعتبر اضطرابا نفسيا أو جسديا ينتج عن خلل في مراكز معينة في الدماغ ينتج عنه الاعتماد غير المشروع على الدواء، رغم أن المريض لا يحتاجها لأمور علاجية، ويشعر بحاجة ملحة إلى تناول هذه الأدوية، ويصبح غير قادر على العيش دون تناولها على الرغم من الآثار الضارة التي قد تنشأ عن إدمانها.
ونبهوا إلى أن الأدوية مواد كيميائية لها تأثير على الخلايا العصبية وقد تؤدي إلى خلل في عملها، كما أن لها العديد من التأثيرات الجانبية غير المرغوبة.
وتختلف المضاعفات تبعا للدواء الذي أدمن عليه المريض لكن عادة ما يؤدي الإدمان إلى العديد من المشاكل الصحية والعقلية على المدى القصير والطويل، حيث قد يسبب أمراضا عديدة في الرئة والقلب ومشاكل عصبية ونفسية يمكن أن تؤدي إلى الانتحار، كما أن الإدمان المفرط يسبب بعض حالات الوفاة.
وأكد خبير إدمان الأدوية بالمركز الألماني لأبحاث الإدمان (DHS) روديغر هولتسباخ في وقت سابق أهمية استفسار المرضى من الطبيب المعالج عن طبيعة الآثار الجانبية للأدوية الموصوفة لهم، لأنه دائما ما يواجه المرضى خطر إدمان الأدوية، لا سيما عند تناول النوعيات التي يظهر تأثيرها النفسي على نحو سريع.
وطالب هولتسباخ الطبيب والمريض بأن يتساءلا مباشرة إذا ما شكا المريض من بعض الأعراض كاضطرابات النوم، والمخاوف وما إذا كانت الأدوية وحدها تكفي للتخلص من هذه الاضطرابات.
وأضاف هولتسباخ موضحا “على الرغم من أن هذه الأدوية تكفي أحيانا في علاج مثل هذه الاضطرابات بالفعل، فإن أغلب الاضطرابات النفسية تستلزم تغيير أوضاع الحياة المتسببة في حدوث مثل هذه الاضطرابات من الأساس، كي تتحسن حالة المريض على نحو جيد”.
وشدد الخبير الألماني على أنه من الأفضل التفكير في وسيلة أخرى تساعد على الحد من هذه الاضطرابات، كالتوجه للعلاج النفسي مثلا رغم بعض الموانع الاجتماعية التي تحول دون اللجوء إلى هذا الحل، منتقدا رغبة بعض المرضى في اللجوء إلى الأدوية والإكثار منها لتفادي اللجوء إلى معالج نفسي لمناقشة مشاكل حياتهم الشخصية معه.
وأشار هولتسباخ إلى أن جسم الإنسان يتعوّد على الأدوية النفسية بشكل سريع، سواء أكانت من مشتقات “البينزوديازيبين” أو من غيرها، مؤكدا أن كل الأنواع تؤثر على المنطقة نفسها بالمخ، مما قد يؤدي إلى الإدمان.
وبين أن تأثير هذه الأدوية في تهدئة الأعصاب والتقليل من الشعور بالخوف يتلاشى مع كثرة استخدامها، وتظهر الأعراض القديمة من جديد بعد مرور أسابيع من تناولها.
وأشار إلى أنه إذا توقف المريض عن تناول هذه الأدوية، غالبا ما يقوم الجسم باستجابات مضادة تجاه ذلك، حيث تزداد شدة الأعراض على نحو أقوى من ذي قبل، ومن ثمّ يضطر المريض إلى تناول الأدوية من جديد، وهذا “يؤدي إلى الاستمرار في تناول هذه الأدوية لفترات زمنية طويلة”.
كما بين هولتسباخ أن الأمر “لا يتطور إلى الإصابة بإدمان حقيقي سوى لدى جزء ضئيل جداً من المرضى، الذين يزداد احتياجهم دائما إلى جرعات أكبر من الدواء”، مشيرا إلى أنه لا يتم اكتشاف الإدمان في أغلب حالات المرضى الذين يتناولون الأدوية لفترات طويلة، لأن “الطبيب لا يرى أن هناك مشكلة نظرا لالتزام المريض بالجرعة المحددة وعدم زيادتها”.
وأوضح أن التغيرات التي تطرأ تدريجيا على المرضى، مثل تدهور الكفاءة الجسدية وضعف التركيز، لا يتم النظر إليها في الغالب باعتبارها آثارا جانبية للأدوية، وإنما ظواهر طبيعية مصاحبة للتقدم في العمر.
ومن جانبه أشار الباحث الألماني غيرد غاليسكه إلى أن معدل استخدام النساء للأدوية المنومة ومهدئات الأعصاب ومضادات الاكتئاب يفوق معدل استخدام الرجال لها بشكل كبير، محذرا من أن الإكثار من هذه الأدوية يمثل خطورة على صحة الإنسان.
صحيفة العرب